[خروج الرسول صلى الله عليه وسلم عام الحزن إلى الطائف]
كان الهم الكبير الحقيقي في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم الإسلام، وكان أكثر شيء يزعجه هو بعد الناس عن الإسلام، وأن الموقف تجمد في مكة وأُغلقت جميع أبواب الدعوة فيها، كان هذا أشد ما أثر فيه؛ لأن الدعوة كانت في دمه، ولا يستطيع أن يتوقف عنها، وها هي مكة قد أغلقت كل أبوابها، فهل من المعقول أن يأتي وقت تقف فيه الدعوة؟ مستحيل، الدعوة بالنسبة له كالماء والهواء.
إذاً: كيف سيتصرف في هذا الموقف الصعب؟ كان الله سبحانه وتعالى يشفق عليه من كثرة حزنه على الناس، فقال له:{لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[الشعراء:٣] كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يتحمل وقوف الدعوة؛ لذا فكّر رسول الله صلى الله عليه وسلم وللمرة الأولى منذ البعثة أن يخرج بدعوته خارج مكة، وقبل هذا لم يكن هناك خروج من مكة أبداً؛ لأن أبواب الدعوة كانت مفتوحة فيها، ولو بمشقة، لكن في هذا الوقت بعد أن وقفت الدعوة في مكة أصبح هناك مبرر للخروج، وهذا درس مهم، فإن الداعية لا يترك مكانه ويخرج إلى مكان آخر إلا إذا كان المكان الذي يعيش فيه لا يستطيع أن ينشر فيه دعوته؛ لأن مسئوليته الأساسية هي الناس الذين يعيش معهم.
إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم سيخرج، ولكن إلى أين، فمدن الجزيرة كثيرة، والقبائل فيها متعددة؟ فبمن يبدأ؟