للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عالمية دعوة الإسلام وقاعدة المفاضلة بين الناس في الدين الإسلامي]

تزايد عدد المسلمين، والقاعدة الأصيلة التي تحكم هي: (خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا) لم تكن تحكم المسلمين أي قاعدة من القواعد التي اخترعها الناس للتفرقة، القواعد التي اخترعها الناس ظالمة، والله عز وجل عادل لا يظلم، وعدله مطلق سبحانه وتعالى لا ظلم فيه، لا تكون المفاضلة بين الناس إلا بأمور يستطيعون تغييرها، لكن لا ينفع التفاضل بأشياء ليس لهم يد فيها.

فمثلاً: المفاضلة في قانون الله تعالى تكون بالتقوى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣] وهي شيء مكتسب، فلكي تتحول من غير تقي إلى تقي فالطريق واضح في الدين، كذلك الأخلاق الحسنة هي شيء مكتسب، نعم لها جذور فطرية، والإنسان يكون مجبولاً على الكرم والصدق، لكن في النهاية الأخلاق الحميدة شيء مكتسب، تستطيع إذا أردت أن تتحول من كاذب إلى صادق، أو من خائن إلى وفي، أو من جبان إلى شجاع وهكذا، وعندها يمكن التفضيل بين واحد وآخر على أساس التقوى وعلى أساس الأخلاق.

أيضاً كذلك تستطيع أن تسبق غيرك بالكفاءة.

إذاً: هذه أمور تستخدم للمفاضلة بين الناس: التقوى، الأخلاق، الكفاءة، وجميعها أمور مكتسبة، لكن لا يجوز التفرقة والمفاضلة بين الناس على أشياء لا دخل لهم فيها، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستخدم القواعد الإلهية ولا يستخدم القواعد الظالمة التي اخترعها الناس، فلم يكن هناك فرق بين الأحرار وبين العبيد، فالكل أولاد آدم عليه السلام، والكل سواسية، بل قد يسبق العبد الحر في مجال الأخلاق والتقوى والكفاءة؛ ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم وجه دعوته للعبيد كما وجهها للسادة سواء، وهذا كان مستغرباً في البيئة المكية القديمة، وإلى الآن هو أمر مُستغرب، أنا أريد منك أن تتخيل أن الوزير جالس بجوار العسكري في نفس الدعوة، بل قد يُقدّم عليه إذا كان أكفأ وأقدر على إدارة الأمور، فلم يعط قانوناً ولا دستوراً للإنسان حقه مثل ما فعل الإسلام، فنحن نرى في الأوائل الذين أسلموا تباينات عجيبة، كما رأينا من الأشراف من الصديق رضي الله عنه وأرضاه وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام وعثمان بن عفان وسعيد بن زيد كل هؤلاء من أشراف مكة، كما رأينا هؤلاء رأينا أيضاً العبيد والموالي، رأينا بلالاً وعامر بن فهيرة وزيد بن حارثة وغيرهم، وليس هذا إلا في دين الإسلام.

أيضاً لم يكن هناك فرق بين الغني والفقير، المال لا يصلح للمفاضلة بين الناس، فالله عز وجل يرزق من يشاء بغير حساب، الأوائل الذين أسلموا كان فيهم الأغنياء واسعو الثراء كـ الصديق وعبد الرحمن بن عوف وعثمان وكان فيهم أيضاً شديدو الفقر كـ عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وسمية بنت خياط وخباب بن الأرت وغيرهم، لم يكن هناك أي فرق بين الغني والفقير.

لكن هنا معلومة هامة، وهي على عكس ما يتخيل كثير من الذين يدرسون السيرة، فهم يعتقدون أن غالبية المسلمين كانوا من الفقراء البسطاء، لكن عندما نأتي نحلل شخصية كل مسلم من المسلمين الأربعين الأوائل سنجد أن الفقراء كانوا (١٣) والأغنياء كانوا (٢٧)، أي أن (٧٠%) من المسلمين الأوائل كانوا من الأغنياء، ولم تكن هناك ثورة من الفقراء على الأغنياء، كما يحب بعض الاشتراكيين أن يصوروا من ذلك؛ ليأخذوا سنداً شرعياً لاشتراكيتهم، فالوضع كان خلاف هذا تماماً، الأغنياء سعوا إلى هذا الدين القويم الرائع، وضحوا بثرواتهم، وعرّضوا أنفسهم للفقر الشديد، وليس أبلغ من الأمثلة الإسلامية الرائعة كـ الصديق، فقد كان يملك أربعين ألف درهم عندما أسلم، وعندما هاجر كان يملك خمسة آلاف درهم صرفها على الهجرة، أي: أنه أصبح فقيراً بعدما أسلم، ومصعب بن عمير رضي الله عنه وأرضاه كان من أغنى أغنياء مكة، ومن أنعم شبانها، ثم أصبح من أشدها فقراً وحاجة، ولم تكن هناك ثورة من الفقراء على الأغنياء، أو عملية تقسيم للثروات على شعب مكة أبداً، لم يكن هناك أي فرق بين الغني والفقير، المهم التقوى.

لم يكن هناك أيضاً فرق بين العرب وغير العرب، أين الذنب في ولادتي، سواء ولدت في مصر أو باكستان أو إندونيسيا أو نيجيريا أو أمريكا أو أي مكان من الأرض؟ المهم التقوى والأخلاق والكفاءة.

دعوة الإسلام ليست دعوة قومية، حتى في هذه البيئة التي تفتخر بعربيتها، فقد ضمت هذه الدعوة بلالاً من الحبشة، وصهيباً الرومي، وبعد سنين ستضم سلمان الفارسي، وستدخل بعد ذلك كل العرقيات من فرس ورومان وسلاجقة وأتراك وأكراد وغيرهم كثير، سيدخل كل هؤلاء إلى دين الإسلام، وكل منهم سيخدم الإسلام في مكانه، لا فرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى.

كذلك لم يكن هناك فر