السبب الثالث في تربية المسلمين على الصبر: هي دراسة التاريخ.
التاريخ يكرر نفسه، ودراسته تعرض صوراً واقعية من الماضي لأناس عاشوا في نفس الظروف التي عشت أنت فيها؛ لأنها حرب واحدة بين الحق والباطل، علو للباطل في فترة من الفترات، تعذيب وتشريد وقتل وإبادة لأهل الحق، وصبر وجلد وتحمل وعزيمة من المؤمنين، ثم في النهاية انتصار للحق وتمكين له، وهزيمة للباطل وهلاك له.
صورة متكررة في كل صفحات التاريخ، سنة من سنن الله عز وجل.
راجع القرآن المكي لتجد قصصاً لا حصر لها، لا تكاد تخلو سورة من سور القرآن المكي من قصة أو إشارة إلى قصة من هذا النوع، وتصور أنك تسمع مع الصحابة من ضمن الأمثلة الكثيرة التي ضربها الله عز وجل لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في فترة مكة، يقول الله سبحانه وتعالى:{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[القصص:٤]، هذه درجة عظيمة من الألم والإيذاء، حتى هذا لم يحصل مع الصحابة، لا يوجد أحد قتل أبناء الصحابة الرضع مثل ما كان يفعل فرعون لعنه الله، ومع هذه الصورة من الألم، تأتي صورة أخرى من التسلية، يقول الله:{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}[القصص:٥]، بعد كل هذا الألم والاضطهاد يريد الله عز وجل أن يمكن للمستضعفين، {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}[القصص:٦] إلى آخر الآيات.
نفس الصورة تكررت في مكة وتتكرر إلى يوم القيامة، فإذا كان الصبر سيتكرر فإن التمكين لا محالة سيتكرر؛ لأن الذي يعد هو ربنا سبحانه وتعالى وهو قادر على كل شيء.
إذاً: دراسة التاريخ وتحليله وفقهه أمر في غاية الأهمية لتربية الصف المؤمن على الصبر، ووضع لأيديهم على كل مفاتيح النصر الحقيقة.