[رجوع الرسول صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع وتجهيزه جيش أسامة]
بعد هذه الحجة رجع الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة، ومكث فيها بقية ذي الحجة والمحرم وصفر من السنة الحادية عشرة للهجرة، وفي شهر صفر بدأ الرسول عليه الصلاة والسلام في إعداد بعث حربي جديد للشام، لقتال الرومان؛ لأن الرومان قتلوا والي معان عندما أسلم، فكان لا بد من رد حاسم، وهذا هو الإعداد الثالث لمجابهة الدولة الرومانية العظمى: الأول: كان في مؤتة، والثاني: كان في تبوك، والثالث: بعث جيش أسامة بن زيد هذا.
وأمر صلى الله عليه وسلم على هذا البعث أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما، فالرسول صلى الله عليه وسلم يلفت أنظارنا بهذا الفعل إلى أمرين مهمين: الأول: ليس من المهم من هو القائد، ولا نسب القائد، ولا عمر القائد، المهم هو كفاءة القائد، وأنه يحتكم في كل أموره إلى كتاب الله عز وجل، وإلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
والقائد في هذه المعركة أسامة بن زيد هو ابن مولى كان يباع ويشترى، وهو زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه.
وفي نفس الوقت كان عمره ثماني عشرة سنة، أو حتى لم يبلغ الثامنة عشرة سنة، ومع ذلك يتولى قيادة هذا الجيش العظيم.
الأمر الثاني: أن طاقات الشباب هائلة، والرسول عليه الصلاة والسلام بأي حال من الأحوال لا يضيع جيشه، ولا يخاطر بمصير أمته بزعامة لا تتصف بكفاءة، وبخاصة أن الصراع القادم سيكون مع أعتى قوة في الأرض في زمانهم، ولو لم يكن صلى الله عليه وسلم موقناً تمام اليقين أن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أهل لهذه المهمة لما ولاه، لا سيما أنه كان تحت إمرة أسامة مجموعة فذة من القادة العسكريين، ومن السابقين، ويكفي أن من جنود أسامة رضي الله عنهم في هذه المعركة عمر رضي الله عنه.
وهذا الفعل يبين لنا قيمة وإمكانيات الشباب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وجهز الجيش الهام، وخرج من المدينة المنورة في اتجاه الشام في أواخر شهر صفر سنة إحدى عشرة للهجرة، لكن بعد خروجه مسافة خمسة أميال من المدينة المنورة سمع الجيش بمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتظروا في مكانهم، لم يكملوا الطريق؛ حتى يطمئنوا على صحة الحبيب صلى الله عليه وسلم.