[موقف النبي صلى الله عليه وسلم من هجرة النساء من مكة بعد صلح الحديبية]
لما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، بدأ يعيد ترتيب الأوراق حسب الوضع الجديد الذي تمخضت عنه هذه المعاهدة، وبمجرد وصوله صلى الله عليه وسلم وصلت بعض المؤمنات من مكة المكرمة مهاجرات إلى المدينة المنورة، وهذا أول قدوم للمسلمين من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بعد الصلح، ولكن هؤلاء القادمون لم يكونوا رجالاً إنما كانوا نساءً، ومع ذلك أسرعت قريش وطلبت إعادة المؤمنات المهاجرات إلى مكة المكرمة كما تقول المعاهدة، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام وقف لهم وقال: إن نص المعاهدة ينص على الرجال فقط، ونص حديث البخاري يقول:(وعلى ألا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته علينا) يعني: لم يدخل النساء في القضية، والحمد لله أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان حريصاً على ذلك الأمر عند كتابة المعاهدة، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يطمئن إلى إسلام هؤلاء المؤمنات اللاتي قدمن من مكة إلى المدينة، فنزلت سورة الممتحنة وفيها تفصيل لهذا الأمر، قال الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ}[الممتحنة:١٠] يعني: تأكدوا من إيمانهن، هل جئن من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة هرباً من أزواجهن أو طلباً لرجال المدينة المنورة أم جئن إلى المدينة المنورة مهاجرات إلى الله عز وجل وإلى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم؟ {اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ}[الممتحنة:١٠] أي: بعد هذا الاختبار والامتحان تأكدتم أنهن من المؤمنات الصادقات: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ}[الممتحنة:١٠]، يعني: لا ينبغي أن يعدن إلى الكفار وإن كن أزواج كفار من مكة، ما ينبغي لامرأة مؤمنة أن تتزوج من رجل كافر، {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}[الممتحنة:١٠]، لكن انظر لما سيأتي بعد ذلك في الآيات، فهذا بعد حضاري راق جداً في الإسلام وعدل مطلق، قال تعالى:{وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا}[الممتحنة:١٠]، يعني: الكفار الذين هربت أزواجهم من مكة إلى المدينة المنورة دفعوا قبل ذلك مهوراً لأزواجهم من المؤمنات، والآن هربت الزوجة إلى بلاد المسلمين وما عادت تصلح أن تكون زوجة لهذا الرجل الكافر، فلا يجب أن يضيع عليه هذا المهر الذي دفعه لها، يقول الله عز وجل:{وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا}[الممتحنة:١٠]، يعني: أعيدوا إلى الكفار القدر الذي أنفقوه من المهر إليهن؛ حتى يستطيعوا به أن يتزوجوا مرة ثانية من امرأة تحل لهم.
هذا حكم عام نزل لكل المؤمنات اللاتي هاجرن من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وظل بعد ذلك حكماً إلى يوم القيامة، لا يجوز أبداً لامرأة مسلمة أن تتزوج من رجل كافر.
كذلك نزل في نفس الآيات أنه لا يجوز أيضاً لرجل مسلم أن يتزوج من امرأة كافرة، قال الله عز وجل في نفس الآيات:{وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}[الممتحنة:١٠]، هذه الآية موجهة إلى رجال المسلمين، يعني: لو كان عندك امرأة مشركة تزوجت بها قبل أن ينزل هذا الحكم فلا بد أن تطلقها وتعيدها مرة ثانية إلى أهلها المشركين في مكة المكرمة أو غيرها، وعند نزول هذا الحكم طلق المسلمون المؤمنون نساءهم الكافرات وأعادوهن إلى أهلهن، ومن هؤلاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه طلق زوجتين من الكفار كانتا عنده وأعادهما إلى مكة المكرمة.
وبما أننا في هذا الوقت نبني مجتمعاً مسلماً خالصاً فمحال على أم كافرة أن تربي أولادها على معاني الإسلام والعقيدة الصحيحة، وكذلك محال على أب كافر أن يربي أبناءه على معاني الإسلام والعقيدة السليمة الصحيحة.
إذاً: استقر الوضع في داخل المدينة المنورة وقبل المشركون بقضية المؤمنات اللاتي هاجرن من مكة المكرمة إلى المدينة.