[خروج النبي بجيشه إلى أحد ودور ابن سلول في التثبيط والحط من عزائم المسلمين]
خرج الجيش الإسلامي وأخذ الطريق في اتجاه أحد؛ لأنه علم أن الجيش المشرك عسكر عنده، وحاول الرسول صلى الله عليه وسلم بقدر المستطاع أثناء السير أن يسير من وسط المزارع التي حول المدينة المنورة؛ حتى لا يكتشف من قبل الجيش المشرك، ووصل بالفعل إلى منطقة أحد، ومن بعد رأى الجيش المشرك، وعندما أصبحوا على مسافة قريبة من أرض المعركة حدث تمرد هائل في الجيش المسلم، فقد خرج عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق، وقال: إنني لا أوافق على القتال في أرض أحد، إنني أرى أنه لن يحصل قتال، فسأعود إلى المدينة المنورة وليس بمفردي، وسآخذ معي كل من أتيت بهم، وكان تعداد الذين أتى بهم (٣٠٠) مائة شخص، أي: ٣٠% من الجيش! ومعلوم أن جيش الكفار (٣٠٠٠) يعني: جيش المسلمين أقل من جيش الكفار بكثير، ومع هذا كله ينسحب (٣٠٠) شخص من أرض المعركة.
وقف عبد الله بن حرام رضي الله عنه وأرضاه أمام المنافقين وهم ينسحبون من أرض المعركة يقول لهم: تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا، فقالوا: لا نعلم أن هناك قتالاً، فحاول معهم مرة أخرى وأخرى، لكنهم رفضوا، فقال لهم: أبعدكم الله أعداء الله! فسيغني الله عنكم نبيه، ونزل قول الله عز وجل:{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ}[آل عمران:١٦٧].
قد يظن الإنسان أن هذه خسارة كبيرة جداً للجيش الإسلامي، لكن بالعكس.
قال الله عز وجل يصف حال المنافقين:{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}[التوبة:٤٧]، فوجود المنافقين في داخل الصف المسلم خطر كبير جداً، فإنه من الممكن جداً أن يكونوا عيناً على المسلمين، أو قد يدلون بآراء فاسدة في الجيش المسلم، بل قد يثيرون بعض الشبهات في داخل الجيش المسلم تجعل بعض المؤمنين الصادقين يترددون في أمر القتال، وهذا عين ما حدث في غزوة أحد، فإن الكلمات التي قالها عبد الله بن أبي قبيل الدخول في أرض المعركة بقليل أثرت في طائفتين من المسلمين الصادقين المؤمنين: بني حارثة من الأوس، وبني سلمة من الخزرج، قالوا: الأولى أن نعود ونقاتل في المدينة، فإن جيشنا قليل وجيشهم كثير، وفكروا جدياً في الرجوع، لولا أن الله عز وجل ثبتهم بصدق إيمانهم، فقد وقف الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة، وأقنعوهم بالبقاء في أرض المعركة في أحد؛ حتى يكملوا اللقاء، وفي حقهم نزل قول الله عز وجل:{إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[آل عمران:١٢٢]، قال الله عز وجل:{وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا}[آل عمران:١٢٢]؛ لأنهم ثبتوا فعلاً في أرض القتال ولم يفروا.