للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ملخص الخطوات المهمة لبناء الأمة الإسلامية]

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فمع الدرس الثالث من دروس السيرة النبوية في العهد المدني.

تكلمنا في الدرسين الماضيين عن قواعد في غاية الأهمية لبناء الأمة الإسلامية، استخلصناها من مضمون العمل في خلال ثلاث عشرة سنة في مكة، واستخلصناها كذلك من الخطوات الأولى التي قام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، هذه الخطوات في مجموعها تمثل حجر الأساس لصرح الأمة الإسلامية العظيم.

وسنقوم بتلخيص هذه الخطوات، بحيث تكون مجموعة في نقاط محددة معروفة، ثم نبدأ بعد ذلك إن شاء الله استكمال خطوات الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة.

أهم هذه الخطوات التي ذكرناها: الأولى: الإيمان الكامل بالله عز وجل وبأحقيته الكاملة في التشريع للمسلمين، والإيمان الجازم بأنه سبحانه وتعالى له الخلق والأمر.

الثانية: الإيمان اليقيني بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مبلغ عن رب العزة سبحانه وتعالى، ومن ثم فالتشريعات التي شرعها صلى الله عليه وسلم ليست من نتاج فكره أو اجتهاده، إنما هي وحي من رب العالمين سبحانه وتعالى، وجبت علينا فيها الطاعة، كما وجب علينا الطاعة للقرآن الكريم تماماً بتمام.

وسنخرج من هاتين الخطوتين بشيء مهم جداً، وهو أن القرآن والسنة هما المصدران الرئيسان للتشريع في الأمة الإسلامية، وأن هذا ليس لنا فيه خيار، هو فرض من ربنا علينا سبحانه وتعالى، وبدون هذا المعنى لن تقوم أبداً أمة إسلامية ناجحة.

ولما نقول: القرآن والسنة المصدران الرئيسان للتشريع، فإننا نعني بذلك أن هناك مصادر أخرى للتشريع، مثل الاجتهاد، والقياس، والعرف، والمصالح المرسلة، وأقوال الصحابة وغيرهما، لكن بشرط ألا يتعارض كل هذا مع المصدرين الرئيسين للتشريع: القرآن، والسنة.

وهذا الكلام سيعطينا بعدًا ثانيًا للسيرة، سيجعلنا ندرس المصدر الرئيس الثاني للتشريع، وهو حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيفية بنائه صلى الله عليه وسلم للأمة، وكلامنا عن خطواته ومعاملاته وغزواته ومعاهداته ما هو إلا كلام عن صلب الدين، ومن ثم لابد من التحليل الدقيق والدراسة المتأنية لكل موقف من مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا مانع من تفريغ الأوقات، بل والأعمار لهذه الدراسة؛ لأنها سبب نجاتنا في الدنيا والآخرة.

إذًا: هاتان قاعدتان في منتهى الأهمية في بناء الأمة الإسلامية، تربية الشعب على الإيمان الكامل بالله رب العالمين، وتربية الشعب على الإيمان الكامل برسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.

ومن قواعد بناء الأمة كذلك: التربية المتأنية للأمة على معنى مراقبة رب العالمين لكل أعمالنا، وأن هناك يوماً حتماً سيأتي، سيحاسب الله عز وجل فيه البشر أجمعين: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:٧ - ٨].

ومن قواعد بناء الأمة كذلك: تفعيل دور المسجد في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا.

ومن قواعد بناء الأمة كذلك: الوحدة بين المسلمين، ورأينا ذلك في توحيد الأوس والخزرج، ورأيناه كذلك في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وإزالة الفوارق القبلية بين المسلمين؛ ليصبح رباط العقيدة هو الرباط الرئيس الذي يربط بين المسلمين وليس الرباط الوحيد؛ لأن الإسلام لا ينكر العلاقات الإنسانية الطبيعية بين الإنسان ورحمه، والإنسان وعشيرته، ولكن يحددها في أطر شرعية محددة تفيد في بناء الأمة الإسلامية.

ومن قواعد بناء الأمة كذلك والتي فصلنا فيها أكثر من مرة: فقه ودراسة المتغيرات الموجودة في الواقع، وتحديد طرق التعامل مع كل أزمة بحسب حجمها، وحسب الظروف التي تصاحب كل أزمة، ومن ثم يضع المسلم الحل المناسب في ضوء الأطر الشرعية.

ونحن رأينا تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان مختلفاً مع كل أزمة بحسب طبيعتها، فنجد أنه انتهج نهجاً حكيماً جداً في التعامل مع النوعيات المختلفة من الأفراد والقبائل التي استلزمت المرحلة أن يتعامل معها، فمع الأوس والخزرج قام بالصلح بينهما على أساس العقيدة والدين، ومع المهاجرين قام بخطوات مرتبة منظمة لاستيعابهم في المجتمع المدني، بل وتفعيلهم في بناء الأمة، فتحول المهاجرون من عبء اقتصادي وسياسي واجتماعي على المدينة المنورة إلى قوة فاعلة تضيف إلى خير المدينة وقوتها.

كذلك تعامله مع المسلمين في الحبشة حيث استقدم صلى الله عليه وسلم بعضهم وأبقى بعضهم لحين استقرار الأوضاع.

وتعامله صلى الله عليه وسلم مع المسلمين في القبائل البعيدة عن المدينة وليسوا من أهل مكة؛ أبقاهم في قبائلهم لينشروا الإسلام فيها، ولكي يوسعوا نطاق الحركة الدعوية في الجزيرة العربية، ومع المستضعفين من