موقفه صلى الله عليه وسلم من خزاعة في قتلها لرجل من هذيل ثأراً لقتيل لها في الجاهلية
هذا موقف آخر ففي نفس الغزوة غزوة الفتح حدث أمر آخر يثبت به الرسول عليه الصلاة والسلام نفس المعنى في قلوب المسلمين، فبعد مرور يوم واحد من الفتح بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن خزاعة حلفاءه عدت على رجل من هذيل فقتلوه، وهذا الرجل الذي قتل مشرك، وقتلوه برجل قتله في الجاهلية، فغضب صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً وقام بين الناس خطيباً فخزاعة الآن تأخذ بالثأر لقتيل لها في الجاهلية، وهذا عكس تعاليم الإسلام، وخزاعة تدخل مكة الآن وهي رافعة رأسها؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام فتح مكة من أجل خزاعة، ومع ذلك لا يغفر لها هذا الذنب، (قام صلى الله عليه وسلم وخطب في الناس وقال: يا أيها الناس إن الله قد حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دماً، ولا يعضد فيها شجراً، وهي لم تحل لأحد كان قبلي ولا تحل لأحد يكون بعدي، ولم تحل لي إلا هذه الساعة، ثم قد رجعت كحرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فمن قال لكم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قاتل فيها، فقولوا: إن الله أحلها لرسوله ولم يحلها لكم، ثم قال: يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل، لقد قتلتم قتيلاً لأدينه فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين: إن شاءوا فدم قاتله، وإن شاءوا فعقله) يعني: بعد هذه الحادثة سيخير أهل القتيل بين أمرين: إن شاءوا أن يقتل الذي قتل صاحبهم، وإن شاءوا أن يأخذوا الدية، فهم بخير النظرين فليختاروا ما شاءوا.
إذاً: الحدود نفذت على هذا الملأ الواسع وفي هذه الظروف؛ ليعلم أنه لا تفريط أبداً في حدود الله عز وجل.