للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موقفه صلى الله عليه وسلم مع صفوان بن أمية]

تعالوا نرى موقفه صلى الله عليه وسلم مع صفوان بن أمية، صفوان بن أمية بن خلف كان أبوه من أشد المعاندين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الذين قتلوا في بدر، وورث صفوان بن أمية هذه الكراهية للإسلام والمسلمين من أبيه، وحارب الرسول عليه الصلاة والسلام بكل طاقته، وكان ممن التف على المسلمين في أحد هو وخالد بن الوليد رضي الله عنه، واشترك اشتراكاً كبيراً في قتل سبعين من شهداء الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، واشترك أيضاً في الأحزاب، بل ومن الذين شاركوا في عملية القتال في داخل مكة المكرمة، بل إن صفوان بن أمية قبل ذلك دبر محاولة لقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، كأنه عداء شخصي بينه وبين الرسول عليه الصلاة والسلام، وكما تذكرون هذه المحاولة كانت بينه وبين عمير بن وهب رضي الله عنه وأرضاه، وذكرناها بعد درس بدر، وفيها تعهد صفوان بن أمية لـ عمير بن وهب أن يتحمل عنه عياله وأن يسدد عنه دينه، في نظير أن يقتل عمير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا القصة بتفصيلاتها بعد غزوة بدر، ورأينا كيف أسلم عمير بن وهب في المدينة المنورة، ومرت الأيام وجاء فتح مكة المكرمة وفر صفوان بن أمية لما لم يجد له أي مكان في مكة المكرمة، وعلم أنه لن يستقبل في أي مكان في الجزيرة العربية، فقرر أن يلقي نفسه في البحر؛ ليموت فيه، فخرج في اتجاه البحر الأحمر ومعه غلام اسمه يسار، وليس معه أحد غيره حتى وصل إلى البحر الأحمر، ثم إنه من بعيد رأى أحد الرجال يتتبعه فخاف، وقال لغلامه: ويحك انظر من ترى، قال: هذا عمير بن وهب، وكان عمير بن وهب صديقاً حميماً لـ صفوان بن أمية قبل أن يسلم، فقال صفوان: ما أصنع بـ عمير والله ما جاء إلا يريد قتلي، فهو الآن مسلم قد ظاهر محمداً علي، فقال صفوان بن أمية لما لحقه عمير: يا عمير ما كفاك ما صنعت بي، حملتني دينك وعيالك، ثم جئت تريد قتلي.

فقال عمير: جعلت فداك، أنا ما زلت صديقك، وجئتك من عند أبر الناس وأوصل الناس إلى آخر الحكاية فـ عمير بن وهب عندما علم أن صفوان بن أمية هرب من مكة المكرمة، تذكر صديقه القديم صفوان بن أمية، فخاف عليه وخشي عليه وأحب له الإسلام، وأحب له أن يدخل فيما دخل فيه عمير رضي الله عنه ورضي الله عن الصحابة أجمعين، فجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وطلب لـ صفوان بن أمية الأمان، فقال: (يا رسول الله! سيد قومي خرج هارباً؛ ليقذف نفسه في البحر، وخاف ألا تؤمنه فداك أبي وأمي فقال صلى الله عليه وسلم: قد أمنته، فخرج عمير بن وهب حتى وصل إلى صفوان بن أمية كما ذكرنا فقال عمير لـ صفوان: إن رسول الله قد أمنك، فخاف صفوان وقال: لا والله لا أرجع معك حتى تأتيني بعلامة أعرفها تدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمنني، فرجع عمير بن وهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مرة أخرى، وقال: يا رسول الله! جئت صفوان هارباً يريد أن يقتل نفسه فأخبرته بما أمنته، فقال: لا أرجع حتى تأتي بعلامة أعرفها، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: خذ عمامتي)، انظروا إليه صلى الله عليه وسلم يحاول قدر المستطاع أن يأتي بكل إنسان إلى الإسلام: (فأخذ عمير العمامة وذهب إلى صفوان بن أمية وقال له: يا أبا وهب جئتك من عند خير الناس وأوصل الناس وأبر الناس وأحلم الناس مجده مجدك، وعزه عزك، وملكه ملكك، فقال له صفوان: أخاف أن أقتل، قال: قد دعاك إلى أن تدخل في الإسلام، فإن رضيت وإلا سيرك شهرين).

انظروا كرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: تعال لو أردت أن تسلم الآن فأسلم، ولك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين، وإن أردت أن تأخذ شهرين كاملين لتفكر فيهما فأنت في أمان.

فهو أوفى الناس وأبرهم صلى الله عليه وسلم، وقد بعث إليك بعمامته العلامة التي كان يريدها صفوان بن أمية قال عمير بن وهب: تعرفها؟ قال: نعم.

فرجع صفوان بن أمية مع عمير بن وهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ليس أمامه أي طريق آخر، ليس أمامه إلا أن يقبل بهذا الأمان، وهو يعرف أن الرسول عليه الصلاة والسلام دائم الحفظ لوعده وعهده فهو الصادق الأمين، فعاد مع عمير بن وهب إلى مكة المكرمة ودخل في الحرم والرسول عليه الصلاة والسلام يصلي بالناس صلاة العصر، فوقفا سوياً حتى ينتهي الر