[الوسائل التي استخدمها رسول الله لإخراج المشركين من حصون الطائف]
الرسول صلى الله عليه وسلم فكر في خطة لإخراج المشركين من الحصون، فأمر سلمان الفارسي رضي الله عنه بصناعة المنجنيق لقذف حصون الطائف بالحجارة، وأمر بصناعة دبابات خشبية لكي يختبئ تحتها الجنود ليصلوا إلى القلاع وإلى الحصون دون أن تصيبهم السهام، وبالفعل بدءوا في قذف أسوار الطائف بالمنجنيق الذي صنعه سلمان رضي الله عنه، وصار المسلمون تحت الدبابات الخشبية، وبالفعل كسروا جزءاً من السور، وكانوا على وشك الدخول داخل أسوار الطائف لولا أن أهل الطائف فاجئوا المسلمين بإلقاء الحسك الشائك المحمى بالنار، والحسك الشائك هو عبارة عن أشواك حديدية ضخمة أوقدت عليها النار حتى احمرت، فألقوها على المسلمين فصارت مأساة كبيرة، أصيب المسلمون إصابات بالغة، مما دفعت المسلمين إلى العودة من جديد إلى معسكرهم، وما قدروا أن يقتحموا حصن الطائف.
لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لم ييئس فقرر أن تحرق حدائق العنب المحيطة بالطائف، وكانت جنات ضخمة فيها مزروعات كثيرة، وأهم هذه المزروعات العنب.
فأخذ رسول صلى الله عليه وسلم القرار بحرق هذه الأعناب حتى يدفع أهل الطائف أو يجبرهم على الخروج للقتال، هو لا يحرق هذه الأشجار أو هذه الأعناب بغرض التدمير أبداً، لكن بغرض إجبار أهل الطائف على الخروج للقتال.
وبدأ المسلمون بحرق كمية ضخمة من العنب، فنادت ثقيف الرسول صلى الله عليه وسلم من وراء الأسوار وقالت: لم تقطع أموالنا إما أن تأخذها إن ظفرت علينا، وإما أن تدعها لله وللرحم.
يعني: لو غلبتمونا تأخذونها، ولو لم تغلبونا فاتركوها لله وللرحم، فقال صلى الله عليه وسلم: فإني أدعها لله وللرحم التي بيني وبينكم.
ذكرنا فيما مضى أن العلاقة بين ثقيف وقريش سيئة جداً، لكن كانت إحدى جدات الرسول صلى الله عليه وسلم لأمه من ثقيف، كانت الجدة الخامسة للرسول عليه الصلاة والسلام واسمها: هند بنت يربوع الثقفية؛ فلذلك ترك صلى الله عليه وسلم حرق الأعناب وقطعها للرحم التي بينه صلى الله عليه وسلم وبينهم.
ولم يفعل صلى الله عليه وسلم كما تفعل الجيوش الكافرة العلمانية مثل: جيوش فارس والرومان والتتار واليهود، وجيوش العصور الحديثة التي تفسد في الأرض لمجرد الإفساد؛ حتى إن الله سبحانه وتعالى يصفهم في كتابه الكريم بقوله: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة:٢٠٥].
يعني: الإفساد عند غرض، أما المسلمون فإنهم لم يفعلوا ذلك إلا لغاية محددة، فلما لم تحقق وقفوا عن الحرق كما رأينا، إذاً: هذه الوسيلة لم تفلح في إخراج أهل الطائف.
الوسيلة الأولى: الضرب بالمنجنيق.
الوسيلة الثانية: حرق الأعناب.
الوسيلة الثالثة: محاولة تفكيك الصف داخل الحصون، فقد نادى صلى الله عليه وسلم على العبيد في داخل الحصون وقال: (أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر) وكان العبيد كثيرين في المجتمع العربي القديم، وسياسة الإسلام أتت بتحرير العبيد في كل مناسبة ممكنة، فكانت هذه فرصة طيبة لتحرير بعض العبيد من صفوف المشركين، فهؤلاء العبيد في الغالب سيسلمون، وبذلك يستنقذون من ظلمات الكفر، وسيفقد أهل ثقيف طاقة هؤلاء العبيد، وسوف ينقل هؤلاء العبيد الأخبار من داخل الطائف إلى خارجها، فهناك أكثر من فائدة، فقد كان قراراً سياسياً دعوياً عسكرياً بارعاً من الرسول عليه الصلاة والسلام.
وبالفعل بدأ يخرج بعض العبيد من داخل الحصون، حتى وصل عددهم إلى ثلاثة وعشرين من العبيد، واكتشفت ثقيف الأمر وشددت الحصار على الأسوار، ومنعت خروج بقية العبيد، واستفاد المسلمون من خروج هؤلاء الثلاثة والعشرين عبداً وأهم استفادة كانت أمرين: وأعظم الأمرين: هو إضافة ثلاثة وعشرين رجلاً إلى أمة الإسلام، (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).
الأمر الثاني: معرفة بعض المعلومات العسكرية الخطيرة.
فقد أخبر هؤلاء العبيد الرسول عليه الصلاة والسلام أن الطعام والشراب الذي في داخل الطائف يكفي للمطاولة والصبر على الحصار سنة على الأقل أو عدة سنوات، فهذه معلومة في غاية الأهمية، فالحصار لن يكون يوماً أو يومين ولا شهراً ولا شهرين، بل عندهم طعام يكفي لسنة أو أكثر، والمسلمون لا يستطيعون أن يبقوا في هذا المكان؛ لأن القوات الإسلامية ليست مجرد فرقة إسلامية من الجيش الإسلامي، وليست مجرد جيش لدولة، بل القوات الإسلامية هي المجتمع المسلم بكامله، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك في المدينة المنورة التي هي عاصمة الدولة الإسلامية إلا القليل من الرجال لحراسة النساء والأطفال والديار، وهناك الكثير من القبائل التي دخلها الإسلام حديثاً، فهي تحتاج إلى متابعة مستمرة خوفاً من انقلابها إلى الكفر، والهجوم على المدينة المنورة.
وهناك الكثير من القبائل لم تسلم بعد في الجزيرة العربية، وهناك اليهود في خيبر على مقربة من المدينة، وهم على