لقد بدأ الجهاد مباشرة بعد غزوة الأحزاب، وأول ما بدأ به تحرك تجاه أولئك الذين حركوا جموع العرب لغزو المدينة المنورة، وبالتحديد اتجاه اليهود وزعمائهم، وأهم هؤلاء الزعماء حيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب كان قد قتل مع يهود بني قريظة في أعقاب غزوة الأحزاب مباشرة، وبعد مقتل حيي بن أخطب لزم على المسلمين أن يذيقوا سلام بن أبي الحقيق من نفس الكأس الذي كان يريد أن يذيقه للشعب المسلم بكامله في المدينة المنورة، من أجل هذا أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم سرية لاغتيال سلام بن أبي الحقيق في خيبر، وسلام بن أبي الحقيق من زعماء خيبر، وخيبر على بعد حوالي (١٥٠) كيلو شمال المدينة المنورة، وهي مهمة خطيرة جداً، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرسل سرية كاملة بقيادة عبد الله بن عتيك رضي الله عنه وأرضاه.
ونحن نرى الفكر السياسي والعسكري الدقيق لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه بالسرية هذه سيقضي على رءوس الفتنة ومجرمي الحرب ومحركي الجموع، وبالتالي يستطيع بعد ذلك أن يسيطر على الأمور بصورة أيسر وبطريقة أسرع، وبحمد الله نجحت سرية عبد الله بن عتيك رضي الله عنه في قتل سلام بن أبي الحقيق، وتخلص المسلمون من رأس كبير من رءوس الفتنة، وكانت خسارة كبيرة جداً لليهود، وبالذات أن ذلك كان بعد التخلص من بني قريظة، وبعد التخلص من حيي بن أخطب، وبات واضحاً للجميع أن الدولة الإسلامية في طريقها إلى النمو والقوة، وأن نجمها سيعلو في الجزيرة بكاملها، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يهمل هذه النجاحات المتتالية في الأحزاب وبني قريظة وفي حادثة اغتيال الزعيم اليهودي سلام بن أبي الحقيق، بل استغلها بنشر القوات الإسلامية في كل مكان هنا وهناك، وبسط السيطرة على المناطق المختلفة في الجزيرة، وقام بتأديب وعقاب من اشتركوا في إيذاء المسلمين قبل ذلك.