للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقفات مع غزوة بدر الكبرى]

في يوم الفرقان كانت غزوة بدر الكبرى في (١٧) من رمضان سنة اثنين هجرية، هذه الغزوة قلبت الموازين كلها، بل تستطيع أن تقول: هي المعركة التي عدلت موازين العالم المقلوب وليس من الضروري أن تحدث نقاط التغيير المحورية في العالم نتيجة صراع بين قوة عالمية أولى وأخرى، لكن قد يبدأ التغيير بحدث لا يعطي أحداً من أهل الأرض أهمية، بل قد لا يشعرون به أصلاً، فمن كان يسمع عن غزوة بدر من أهل فارس أو أهل الروم أو أهل الصين أو أهل الهند؟ إن غزوة بدر في حسابات العسكريين معركة بسيطة جداً، ٣٠٠ جندي يحارب ألف جندي في نقطة لا ترى على خارطة الأرض، وفي صحراء العرب الجرداء، وأي محلل عسكري سيحلل هذه المعركة بأنها مجرد صراع عابر، أو تستطيع أن تقول: مشكلة بين قبيلتين لا تحمل أي نوع من الخطورة على القوى العالمية الموجودة آنذاك، فجيوش الرومان كانت تقدر بالملايين في ذلك الوقت، وجيوش فارس كانت تزيد على مليوني جندي، هذه أعداد الجيوش فقط لا الشعوب، أما الشعوب فكانت تقطن في مساحات واسعة جداً، وهي الآن عشرات الدول؛ لذلك فإن غزوة بدر في التحليل السطحي غزوة عابرة، لا يرجى أن يكون لها أي أثر إلا في بعض النقاط غير المرئية في الصحراء، ومع ذلك فإن التحليل العميق يثبت غير ذلك تماماً، فبعد غزوة بدر ولدت أمة ثابتة راسخة، لها رسالة وهدف وطموح، تغير وجه التاريخ حقاً بعد هذا الميلاد.

قامت الدولة التي ستحمل على أكتافها قضية هداية الناس أجمعين إلى رب العالمين سبحانه وتعالى، ونشأت الأمة التي ستصبح خير أمة أخرجت للناس، وخرج الجيش الذي سيزلزل بعد ذلك عروش قيصر وكسرى، فغزوة بدر غزوة فرقت بين مرحلة كانت فيها دولة الإسلام ناشئة ضعيفة مهددة، ومرحلة أخرى أصبحت فيها دولة الإسلام معتبرة ومستقرة وقوية لها شأن في المنطقة، وكل الناس في العالم يسمعون عن دولة الإسلام؛ لذلك فإنه ليس من المستغرب أن الله سبحانه وتعالى سماها يوم الفرقان، فإن مقاييس رب العالمين سبحانه وتعالى ليست كمقاييس البشر، فإن الصدام المروع بين فارس والروم مرات عديدة لم يغير من وجه التاريخ.

قال تعالى: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم:١ - ٣]، فازت أو خسرت ليس هناك تأثير في الأرض، فما هي إلا لحظات عابرة مهما طالت في عمر البشرية، لكن بدراً وضعها مختلف، فالصدام البسيط الذي تم بين المدينة المنورة ومكة غير كل شيء في الأرض، وما زال يغير إلى يوم القيامة، فغزوة بدر لحظة فارقة حقاً، وإذا كان الأمر كذلك فلابد أن نقف طويلاً مع غزوة بدر.

إن غزوة بدر لم تكن غزوة عظيمة بأرضها أو بجغرافيتها أو بخطتها أو بنوعية السلاح الذي استخدم فيها، إنما كانت عظيمة بأهل الحق فيها ولو كانوا قلة بسطاء حقراء، أو بالتعبير القرآني كما قال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران:١٢٣]، فكانت بدر عظيمة بالطائفة المؤمنة النبيلة التي شاركت فيها، فمن أجل هذه الطائفة حدثت تغييرات كونية هائلة، ومن أجل هذه الطائفة نزلت الملائكة، ومن أجل هذه الطائفة خضع الشيطان بل نكص على عقبيه مذموماً مدحوراً، فلا بد أن نقف وقفة وندرس هذه الطائفة النبيلة العظيمة الطائفة هذه يا إخواني أنا أرى أنها معيار للجيش المنتصر، جيش بدر مقياس لكل جيوش المسلمين الجيش الذي سيعرف يتصف بصفات جيش بدر سيعرف يحقق نصر مثل نصر بدر.