أول نقطة: ضرب القدوة من نفسه، فلم يفر؛ لأنه إذا فر القائد فلا أمل في ثبات الجنود، وإذا تخلى القائد عن المسئولية فلن يحملها أحد.
فالرسول عليه الصلاة والسلام ثبت في هذه الموقعة ثباتاً عجيباً، بل إنه لم يكتف بالثبات وعدم الفرار، بل كان يركض بدابته ناحية الكفار، حتى أن العباس رضي الله عنه وأرضاه وكان من الثابتين إلى جواره صلى الله عليه وسلم كان يمسك بلجام الدابة ليمنعها من التقدم خوفاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام استمر في الدخول وسط جيش الكفار، وكان الجيش يمشي عكس اتجاه الرسول عليه الصلاة والسلام، كله يفر إلى الوراء والرسول صلى الله عليه وسلم متقدم إلى الأمام ويقول وينادي بأعلى صوته: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، هلموا إلي أيها الناس، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله.
لن تجد مثل الرسول عليه الصلاة والسلام مهما قرأت في التاريخ، ومهما قرأت في السير، ومهما قرأت في المعارك لن تجد مثل ذلك الموقف أبداً، إذا فكر القائد في النجاة بنفسه لا شك أن الجنود سيحبطون إحباطاً يمنعهم من أي مقاومة، أما إذا ثبت القائد وتقدم وجاهد وضحى بنفسه فهذه أعظم الدروس التربوية لجيشه ولأمته؛ ولذلك تجد أن الراية تعطى في المعارك لأفضل الناس وأقوى الناس وأشجع الناس؛ لأن الناس تبع لرايتهم وتبع لقائدهم، فإذا هرب الشجاع الذي يحمل الراية فلا شك أن غيره سيهرب وسينهزم، لذلك تجد أن أشد القتال دائماً يدور حول الراية، ليس لمجرد قتل رجل شجاع؛ ولكن لأن سقوط الراية سيؤثر معنوياً على كامل الجيش؛ فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يدرك ذلك تمام الإدراك، فلذلك حرص صلى الله عليه وسلم كل الحرص على عدم التراجع خطوة واحدة، مع كل الخطورة التي قد يتعرض لها، لكن هذه هي الفرصة الأخيرة لجيشه ولأمته أن تراه ثابتاً فتثبت بثباته، وفعل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل، وألف خطة في الثبات والتضحية لا تساوي موقف الرسول عليه الصلاة والسلام يوم حنين.
هذه رسالة لكل المسئولين عن أعمال جماعية للأمة الإسلامية، ثبات القائد يعني ثبات الجنود وتضحية الرئيس تعني تضحية المرءوسين.
إذاً: هذه كانت أول نقطة عملها الرسول عليه الصلاة والسلام: ضرب القدوة من نفسه كقائد.