[كيفية بناء بيت النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة]
هناك موقف لطيف حصل من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد قرار بناء المسجد في هذا المكان، أنتم تعرفون أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال عن الناقة:(دعوها فإنها مأمورة)، وبذلك حُدد مكان المسجد النبوي، وفي هذا الوقت لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قد سكن المدينة المنورة، ولم يبن له بيتاً، فأين يسكن صلى الله عليه وسلم؟ قال:(أي بيوت أهلنا أقرب؟) لم يبحث صلى الله عليه وسلم عن أفخم بيوت المدينة أو أقربها إلى قلبه، لكن قال:(أي بيوت أهلنا أقرب؟) أياً كانت هذه الدار، فكل ديار المسلمين داره صلى الله عليه وسلم، بغض النظر عن أصولهم أو عرقياتهم أو عن قبائلهم، فقد يكون المسلم الباكستاني أو السوري أو الإندونيسي أو الأمريكي أقرب إلى المسلم من أخيه الذي يربطه النسب به ولا يشترك معه في العقيدة، وما أبلغ ما قاله رب العالمين سبحانه وتعالى لنوح عليه السلام:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ}[هود:٤٦] سبحان الله! ابنه ليس من أهله؛ لأنهما مختلفان في العقيدة، وها هو الرسول صلى الله عليه وسلم يبحث عن أقرب بيوت أهله، مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام من قريش، وهؤلاء من الأوس والخزرج، وأقرب بيت كان هو بيت أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وفيه مكث الرسول عليه الصلاة والسلام، وحدثت فيه أحداث لطيفة لا يسمح المجال بتفصيلها.
استقر الرسول عليه الصلاة والسلام في بيت أبي أيوب الأنصاري، وظل فيه فترة من الزمن إلى أن بُني له بيت، وعندما نقول: بيت، فهذا مجاز، فالرسول صلى الله عليه وسلم بُني له حجرة بسيطة جداً وصغيرة تفتح على المسجد، وكان كل زوجة من زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام لها حجرة واحدة، وفي هذه اللحظة التي أتى فيها إلى المدينة المنورة لم يكن متزوجاً إلا بالسيدة سوده بنت زمعة رضي الله عنها وأرضاها، فكانت له حجرة واحدة، وكان قد عقد على السيدة عائشة رضي الله عنها، لكن لم يبن بها بعد.
ويبدأ الرسول عليه الصلاة والسلام في بناء دولة لا تحكم المدينة فقط، بل تحكم دولة مؤهلة لقيادة الأرض بكاملها، ولهز عروش ضخمة وممالك عظمى من هذا البناء البسيط الصغير.
إن المسجد النبوي البسيط الذي بُني في ذلك الوقت لا شك أنه مجهود هائل، ولا شك أنه في ظن كثير من الناس حلم بعيد المدى ومستحيل، لكن سبحان الله! هذا الحلم تحقق وبخطوات معروفة وثابتة.
إذاً: لابد لنا في هذه المجموعات من المحاضرات أن نتعرف على خطوات الرسول صلى الله عليه وسلم: الخطوة الأولى سبق وأن قلناه: إنها خطوة الإيمان الحقيقي اليقيني بالله عز وجل، وهذه بنيت في مكة وأول قدومه إلى المدينة صلى الله عليه وسلم، فقد حرص صلى الله عليه وسلم على التأكيد عليها، وعلى زرع معناها من جديد في المسجد النبوي ومسجد قباء.