أول طائفة من المسلمين: طائفة الأوس والخزرج (الأنصار)، وهؤلاء هم أهل المدينة الأصليون الذين استضافوا الرسول عليه الصلاة والسلام والمهاجرين رضي الله عنهم وأرضاهم في المدينة المنورة، وقدموا تضحيات كبيرة جداً لإيواء المسلمين، مع كل المخاطر والمشاكل التي قابلت الأنصار نتيجة هذا العمل العظيم، فالأنصار في المدينة المنورة من الأوس والخزرج هما من أكبر القبائل العربية في ذلك الوقت.
كانت قبيلة الخزرج ثلاثة أضعاف قبيلة الأوس تقريباً، لكن المشكلة الكبرى التي واجهت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن العلاقة بين القبيلتين قبل الإسلام كانت في منتهى الشراسة والعنف، فآثار الدماء لم تجف بعد من سيوف هؤلاء وهؤلاء، وقد قامت بين الأوس والخزرج حرب مشهورة في التاريخ، يقال لها: يوم بعاث، وكانت هذه الحرب قبل بيعة العقبة الأولى بسنتين فقط.
فالمطلوب من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يوحد الأوس والخزرج في كيان واحد؛ يدافع عن المدينة المنورة ويحل مشاكلها، ويقف مع الرسول عليه الصلاة والسلام في خندق واحد، يقف الأوسي بجانب الخزرجي، ولا يتذكر مطلقاً أي ثأر كان بينه وبين إخوانه من القبيلة الأخرى، وهذا شيء صعب جداً خاصة في هذه البيئة القبلية العربية القديمة.
اعتمد الرسول صلى الله عليه وسلم اعتماداً كبيراً على صدق إيمان الأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم في التأليف بين قلوبهم، فجمع الأوس والخزرج وذكرهم بالله عز وجل، ووضح لهم أن الرابط الأساسي بين المسلمين في هذا الدين الجديد الذي بعث به صلى الله عليه وسلم هو رباط العقيدة، فكل رباط غير هذا الرباط لا ينظر إليه مطلقاً، وكما ذكرنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(أي ديار أهلنا أقرب؟)، يسأل عن ديار أهله من الأوس والخزرج، وكان فرع الرسول عليه الصلاة والسلام بعيداً جداً عن فرع الأوس والخزرج، فقريش عدنانيون، والأوس والخزرج قحطانيون، وهما فرعان كبيران جداً، فإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام وهو من قريش يعتبر أن الأوس والخزرج أهله، فما بالك بالأوس والخزرج الذين هم من فرع واحد، يقال له: بنو قيلة من القحطانيين؟ وهكذا ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الوتر الحساس؛ ولصدق إيمان الأوس والخزرج تقاربت القلوب، سبحان الله! الإسلام يغير تماماً من تكوين الإنسان، ويغير من كل الدوافع التي كانت تحركه قبل ذلك، فيترك قوانين الأرض الوضعية المادية؛ لينتقل بعد ذلك إلى قانون السماء الرفيع، وهكذا نسي الأوس والخزرج تماماً كل الثارات القديمة، وتوحدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في خندق واحد.
فهذه أول خطوة عملها الرسول عليه الصلاة والسلام، وهي قبل خطوة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ومعلوم أن الناس يعرفون قصة المؤاخاة، لكنهم لا يعلمون أن الرسول عليه الصلاة والسلام جلس جلسة مهمة مع الأوس والخزرج؛ ليضع الأساس المتين لبناء الأمة الإسلامية قبل أن يؤاخي بينهم وبين المهاجرين.
إذاً: أول طائفة تعامل معها صلى الله عليه وسلم هي طائفة الأوس والخزرج، وآخى بينها على أساس الدين.