السمة الثامنة من السمات البارزة في السيرة النبوية هي: سمة الأمل الذي كان يبثه صلى الله عليه وسلم في المسلمين في كل المواقف وبلا استثناء.
إن المؤمن لا يقنط أبداً من رحمة الله عز وجل، ولا يقنط أبداً من فضله وكرمه سبحانه وتعالى، قال الله تعالى:{قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}[الحجر:٥٦].
لذا فإن المؤمن مع رؤيته للظروف القاسية التي تمر بها الأمة الإسلامية لا يتأثر مطلقاً بذلك، ويعلم دائماً أن الميزان في صالحه ما دام الله عز وجل معه، من هذا المنطلق يمكننا فهم الروح المتفائلة التي كان يتصف بها المجتمع المسلم في كل مراحل السيرة النبوية حتى في أشد هذه المراحل ظلاماً، رأينا ذلك في كل سنوات مكة الصعبة، بل رأينا الرسول عليه الصلاة والسلام يبشر سراقة بن مالك بسواري كسرى وهو مطارد في هجرته من مكة إلى المدينة، ورأيناه يبشر بنصر المسلمين في بدر مع كون المشركين ثلاثة أضعاف المسلمين، ورأيناه يطمئن المسلمين بعد مصيبة أحد أن الدولة الأخيرة ستكون للمؤمنين، ورأيناه يبشر المؤمنين ليس بفك الحصار عن المدينة أيام الأحزاب فقط، ولكن أيضاً بفتح فارس والشام واليمن، منهج حياة كامل رأيناه بارزاً في السيرة النبوية في كل المراحل.
لم يكن هذا التبشير فقط في المواطن الصعبة أو في مواقف الأزمات، بل كان سياسة عامة انتهجها صلى الله عليه وسلم في كل أحاديثه وخطبه وحواراته وتعليقاته صلى الله عليه وسلم.
يقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم عن ثوبان رضي الله عنه وأرضاه:(إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها)، إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة مما يجعل هذه البشرى وهذا الأمل منهجاً واضحاً من مناهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بناء أمته.