[النقاط السلبية الموجودة عند مالك بن عوف وتغليط دريد بن الصمة له]
هناك نقاط سلبية كانت عند مالك بن عوف أولها: أنه يدعو إلى قومية وقبلية بغض النظر عن مواطن الحق والعدل.
النقطة السلبية الثانية خطيرة جداً: وهي أنه يستخدم البلاغة وحسن البيان في خداع الناس، فقد كان يوهم الناس بخلاف الواقع ويغرر بهم، فقد وقف مالك بن عوف يخطب في الناس في الشعب ويقول لهم: إن محمداً لم يقاتل قط قبل هذه المرة، وإنما كان يلقى قوماً أغماراً لا علم لهم بالحرب فينصر عليهم.
يعني: لو نحن قابلناهم سنرميهم في البحر.
فهذا الخطاب من الخداع غير المقبول بالمرة لشعب ساذج حقاً، شعب هوازن يبدو أنه كان شعباً معزولاً عن العالم الخارجي، لا يقرأ ولا يكتب ولا يرى ولا يسمع، وإلا لما صدق مالك بن عوف، أي أقوام أولئك الذين لاقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا أغماراً لا علم لهم بالحرب؟ هل قريش التي هزمت منذ أيام في عقر دارها أو قبل ذلك في بدر والأحزاب لا علم لها بالحرب؟ هل غطفان التي اكتسحت في ديارها فأذعنت وأطاعت وسلمت وأسلمت لا علم لها بالحرب؟ هل اليهود في بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة بل وفي خيبر لم يكن لهم علم بالحرب؟ بل هل الرومان وأعوان الرومان من نصارى العرب بأعدادهم المهولة وبأسلحتهم المتقدمة وتاريخ طويل في الحروب وخبرة فائقة لم يكن لهم علم بالحرب؟ إن شعباً لا يدرك أحوال الدنيا حوله لجدير أن يضحك عليه، لجدير أن يسخر منه، لجدير أن يهزم ويذل.
فـ مالك بن عوف خدعهم بكلامه المعسول وبالخطاب البلاغي، فهو شعب قابل للخداع، فقد قبل هذا الشعب الساذج أن يرى الدنيا بعيون مالك بن عوف، من أجل ذلك لا بد أن يدفع الثمن.
النقطة السلبية الثالثة في مالك بن عوف: أنه لم يقم وزناً يذكر لشعبه، فليس عنده أي مانع أنه يضحي بشعبه كله بكل ممتلكاته من أجل تحقيق مجد شخصي له.
ماذا عمل مالك بن عوف بشعبه؟ أمر أن تؤخذ النساء والأطفال والأنعام والأموال وكل ممتلكات شعب هوازن تؤخذ معهم إلى أرض القتال فتوضع في خلف الجيش، لماذا هذا؟ من أجل أن يحفز الجيش على القتال.
يقول لهم: لو انهزم جيش هوازن أو فر من أرض القتال سيستولي المسلمون على كل ممتلكات هوازن، فـ مالك بن عوف لم ينظر أبداً إلى احتمالية الهزيمة، وهذا أمر وارد في أي معركة، لكن لا مانع أن يدفع الشعب كله ثمن تحقيق النصر لـ مالك بن عوف، أن الشعب كله من رجال ونساء وأطفال يحقق المجد الشخصي لـ مالك بن عوف.
النقطة السلبية الرابعة في قائد هوازن مالك بن عوف: أنه كان ديكتاتوراً لا يستمع لرأي الآخرين ولو كانوا من الخبراء: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:٢٩].
بعض الخبراء العسكريين في هوازن حاولوا أن يبعدوا هذا القرار عن ذهن مالك بن عوف، قرار أخذ النساء والأطفال والأنعام والأموال إلى أرض المعركة، لكنه أصر إصراراً عجيباً، فقد ورد في كتب السيرة حوار دار بينه وبين دريد بن الصمة، ودريد بن الصمة أحد المخضرمين عسكرياً في هوازن فقد كان عمره فوق مائة سنة، فتعجب لاصطحاب كل ممتلكات هوازن في أرض القتال فسأل مالكاً عن ذلك، فقال مالك: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم.
فغضب دريد غضباً شديداً وقال: راعي ضأن والله، ما لك والحرب.
يعني: أنت لا تعدو أن تكون إلا راعياً للغنم لا تصلح للقيادة العسكرية.
وبعد ذلك أخبره بوجهة نظره وكانت وجهة نظر صحيحة، قال: هل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك.
ثم قال: إنك تقاتل رجلاً كريماً قد أوطأ العرب وخافته العجم وأجلى اليهود، يعني: دريد قدر قوة الرسول عليه الصلاة والسلام تقديراً سليماً وقال الرأي الأصوب، لكن مالك بن عوف لم يسمع له، ولم يأخذ بمشورته، ولم يكن يرى غير رأيه فقط، ومع ذلك دريد لم ييئس، بل استمر معه في الحوار وسأله: ما فعلت كعب وكلاب أفضل بطون هوازن عسكرياً وفيهم العدد والعدة؟ قال مالك: لم يشهد منهم أحد، قال دريد وقد ازداد يقيناً برأيه: غاب الحد والجد، لو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب وكلاب.
ثم نصح مالك بن عوف مرات لكن مالك بن عوف رفض بإصرار شديد؛ لأن نفسية الديكتاتور لا تقبل أبداً أي رأي معارض لرأيه ولو على سبيل الاقتراح أو المشورة، فالشورى عنده تصبح طاعنة للكبرياء وللكرامة، ومن ثم فالدكتاتوريون لا يريدون الخير إلا إذا جاء منسوباً لهم.
إذاً: هذه كانت نقطة خطيرة جداً أيضاً في مالك بن عوف: أنه كان ديكتاتوراً لا يستمع أبداً للشورى.
النقطة السلبية الخامسة في