للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إيمان عداس بالنبي صلى الله عليه وسلم]

لما لجأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحديقة خرج أصحابها وهما: عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة من كفار مكة، وعتبة بن ربيعة كان يفاوض الرسول صلى الله عليه وسلم قبل هذا، بل دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يقول: (اللهم عليك بـ عتبة بن ربيعة، وعليك بـ شيبة بن ربيعة) وكان عتبة وشيبة من أغنياء مكة الذين لهم أملاك في الطائف، لكن مع كل العداء المستحكم بين عتبة وشيبة وبين الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أن الحالة التي وصل إليها الرسول صلى الله عليه وسلم جعلتهما يعطفان عليه وبعثا له بعنقود عنب مع أحد العبيد، واسمه عداس وكان نصرانياً، وضع الطبق أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وأمام زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه، فمد الرسول صلى الله عليه وسلم يده إلى الطبق وأخذ عنبة، وقال: (بسم الله) ثم أكلها، تعجب عدّاس من هذه الكلمة؛ لأنه لم يسمع بمثل هذا في الطائف، فقال: إن هذا الكلام لا يقوله أهل هذه البلاد، فالرسول عليه الصلاة والسلام قبل أن يشرح له معنى بسم الله الرحمن الرحيم، بدأ يتعرف على عداس، أول شيء في الدعوة التعارف؛ لأن التعارف له هدف واضح، فهو يتكلم معه بأمر الدين، وسأله أسئلة ذات مغزى حتى في هذه الظروف شديدة القسوة لم ينس الرسول صلى الله عليه وسلم الدعوة، فأشراف الطائف رفضوا دعوته وضربوه، وهو يبحث عمن يسمع دعوته حتى ولو كان غلاماً صغيراً، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أي البلاد أنت؟ وما دينك؟ قال الغلام: أنا نصراني من أهل نينوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟ قال عداس: وما يدريك ما يونس بن متى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك أخي، كان نبياً وأنا نبي) هذا الغلام الصغير أدرك في لحظة ما لم يدركه حكماء ثقيف، آمن في لحظة واحدة، وأكب على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى يديه وعلى رجليه يقبلها، كما لو كان الله سبحانه وتعالى أراد أن يريح قلب الرسول صلى الله عليه وسلم بإيمان عبد، ولكن هذا العبد بإيمانه أثقل من أهل ثقيف جميعاً.

كان عتبة وشيبة يراقبان هذا الموقف من بعيد، فقال أحدهما للآخر: أما غلامك فقد أفسده عليك، فدعاه وقال له: ويحك ما هذا؟ قال: يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا الرجل، لقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا نبي، قال له: ويحك يا عدّاس لا يصرفنك عن دينك، فإن دينك خير من دينه، وكذبوا والله {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩].

كان لا بد للرسول صلى الله عليه وسلم أن يخرج من هذا المكان، فهو غير آمن، فعنقود العنب ليس كافياً لإثبات حسن النوايا، فهذان هما عتبة وشيبة لعنهما الله.