[وضوح الهدف وسمو الغاية عند المسلمين من عوامل النصر الرئيسية]
مع كل الحماس الذي كان المسلمون فيه، إلا أنهم لا يزالون محتاجين إلى تشجيع وتحميس أكثر؛ لأن الموقف صعب، فجاء دور التحميس والتشجيع، ولن يكسل المؤمن حين يسمع ذلك، جاء وقت التذكير بالجنة، فقد رفع الرسول عليه الصلاة والسلام صوته ليسمع الجميع قال: (والذي نفسي بيده لا يقاتلهم اليوم رجل، فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة).
إن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم عجيب جداً لا يمكن أبداً أن يفهمه علماني ولا كافر أو فاسق؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يحفز الناس كالمعتاد في كل الحروب على الدفاع عن حياتهم، بل يحفزهم على فقد حياتهم، يقول: (لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً) إلى آخر الحديث، والذي يرى نفسه أنه يعيش للدنيا لو قتل يكون قد فقد كل شيء، لكن الذي يفهم ما معنى الجنة سيكون للقتل عنده معنى آخر، فالجنة حلم كبير عند المسلمين، وهي ليست في الدنيا، إنما تأتي الجنة بعد الموت، فالموت هو الحاجز الوحيد بين الشهيد الذي يقتل في أرض الجهاد وبين الجنة، كما أن الشهيد يدخل الجنة بغير حساب.
إذاً: لو جاء الموت لأصبحنا من أهل الجنة، فليت الموت يأتينا، وهكذا يصبح الموت المكروه عند عامة البشر أمنية، بل أسمى الأماني لمن فقه حقيقة الجنة.
(إن في الجنة مائة درجة أعدها الله عز وجل للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض) والحديث في البخاري.
وأيضاً في البخاري: (لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت على أهل الأرض لأضاءت الدنيا وما فيها، ولملأت ما بينهما ريحاً -أي: ما بين السماء والأرض، أو ما بين المشرق والمغرب- ولنصيفها -أي: الخمار الذي على رأسها- على رأسها خير من الدنيا وما فيها)، سبحان الله! فمن كان عنده يقين في ذلك يشتاق إليه؛ لذلك فإن الجيش المنصور جيش يحب الموت، يقول خالد بن الوليد رضي الله عنه: جئتكم برجال يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة.
وقد تحدث الرسول عليه الصلاة والسلام يتكلم عن الأمة المهزومة التي ليس لها وزن في العالم، فأخبر أن أهم صفة فيها صفة الوهن: (قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟! قال: حب الدنيا وكراهية الموت)، أي: كراهية الموت في سبيل الله.
فلو حصل في الأمة كراهية الموت، فإنها ستقع، وعلى العكس لو أحبت الأمة الموت في سبيل الله وهبت النصر ووهبت الجنة.
يذكر أن إسحاق رابين رئيس وزراء إسرائيل الهالك قال في تعليق على اتهام اليهود له بعدم القدرة على السيطرة على حماس والجهاد، قال: أتحدى أي جهاز مخابرات في العالم أن يقاوم أناساً يريدون أن يموتوا! فالمؤمن القوي يحب أن يموت، ويخاف ألا يموت، ويخاف أن ينكشف أمره فلا يموت، فكيف يمكن أن تحاربه؟! فيا ترى! هل أحد منكم يريد أن يموت أو يبحث عن الموت، أو يكون مستعداً للموت؟! هل أحد منكم كتب وصيته؛ لأنه يحلم بيوم يموت فيه في سبيل الله؟ إن لم تكن هذه القضية في بالك ولا تبحث عنها فأنت لا تعرف الجنة.
إن طلب الموت في سبيل الله ليس فيه كآبة ولا حزن، إنما الكآبة أن تقف يوم القيامة تنتظر الحساب سنوات وأنت ترى حولك الشهداء يدخلون الجنة من غير حساب، فلا عذر لك يا أخي المسلم أن تقول: أين الجهاد؟ وأين القتال؟ فالمسألة مسألة صدق في النية تريد أو لا تريد، فإن كنت تريد فستأخذ أجر الشهادة وتدخل الجنة وإن مت في بيتك وسط أهلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه) وإن كنت لا تريد فلن تأخذ أجر الشهادة حتى لو فتح لك ألف باب للجهاد، فالمسألة مسألة صدق، وانظر إلى الجنة كيف أثرت في الصحابة يوم بدر، فهذا عمير بن الحمام رضي الله عنه سمع الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض).
فماذا أعددنا لهذه الجنة؟! {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:١٣].
لما سمع عمير بن الحمام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك قال متعجباً: عرضها السماوات والأرض؟! فإن الواحد منا يكافح سنين حتى يكون عنده بيت أو سيارة أو بعض الأموال أو بعض السلطات، وكل هذا لا يمثل أي وزن في الأرض، فما بالك بالجنة التي عرضها السماوات والأرض؟ فإنه لا يستبعد أن يكون ملك أحدنا في الجنة قدر مجموعة شمسية أو أكثر؛ فـ عمير يتعجب من جنة عرضها السماوات والأرض، فقال صلى الله عليه وسلم في منتهى الإيجاز: (نعم)، وتلقى عمير بن الحمام رضي الله عنه الكلام بمنتهى بيقين لا جدال فيه ولا محاورة، فقال عمير: (بخ بخ -كلمة تقال للتعجب- فقال صلى الله عليه وسلم: ما يحملك