[الرؤى والأحلام]
الجندي الثامن: وهو الرؤى والأحلام، يراها أهل الحق فتبشرهم، ويراها أهل الباطل فتحبطهم وتفشلهم، وهذا الكلام ليس دجلاً ولا شعوذة، بل له شواهد كثيرة في التاريخ، سواء في السيرة أو في الفتوح الإسلامية أو في كل المعارك التي مرت بأمتنا.
تعالوا بنا نتكلم في غزوة بدر في البداية عن رؤيا لبعض الكافرين، والرؤيا قد تصيب الإنسان بالكآبة والحزن والإحساس بالفشل، وتوقع الهزيمة في نفسه، فيكون لها رد فعل سيئ جداً على نفسية المحارب.
هذا جهيم بن الصلت بن المطلب من عائلة الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن كان مشركاً، رأى أن رجلاً أقبل على فرس حتى وقف ومعه بعير له، ثم قال: قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام وأمية بن خلف، وفلان وفلان وفلان، فعد رجالاً ممن قتل يوم بدر من أشراف قريش، وانتشرت الرؤيا في مكة، وكان ذلك قبل الخروج إلى بدر، ولما سمع أبو جهل هذه الرؤيا جن جنونه، وقال: هذا أيضاً نبي من بني عبد المطلب، سيعلم غداً من المقتول إن نحن التقينا.
لكن لا شك يا إخواني! أن هذه الرؤيا كان لها أثر سيئ على المشركين، وإلا لما انتشر خبرها بهذه الصورة حتى يصل إلى أبي جهل.
الرؤيا الثانية كانت من عاتكة بنت عبد المطلب عمة الرسول عليه الصلاة والسلام، وكانت مشركة في ذلك الوقت، واختلف بعد ذلك في إسلامها، لكن الراجح أنها لم تسلم، رأت عاتكة قبل أحداث بدر رؤيا خوفتها، فأرسلت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب عم الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لتحكي له الرؤيا، وكان العباس مشركاً في ذلك الوقت، فقالت له: يا أخي! والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتني، وتخوفت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة.
تكتم علي ما أحدثك؟ قال لها: وما رأيت؟ قالت: رأيت راكباً أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح، ثم صرخ بأعلى صوته: ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث، يعني يدعو آل قريش للخروج إلى المصارع في ثلاثة أيام.
قالت: ثم كرر هذا النداء في مناطق مختلفة حول الكعبة، ومن على جبل أبي قبيس، ثم أرسل صخرة فأقبلت تهوي، حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارتضت -أي: تفتتت- فما بقي بيت من بيوت مكة إلا دخلته منها فلقة، قال العباس: والله إن هذه لرؤيا، فلا تذكريها لأحد، ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة، وكان صاحبه، فذكر العباس له الرؤيا وقال له: لا تذكرها لأحد، فأخبر الوليد بن عتبة أباه عتبة بن ربيعة بالرؤيا وقال له: لا تقل لأحد، وهكذا انتشر الأمر في قريش، حتى وصل إلى أبي جهل وكان العباس في ذلك اليوم ذاهباً ليطوف بالبيت الحرام، فلقيه أبو جهل مع المشركين، فقال له أبو جهل: يا بني عبد المطلب! متى حدثت فيكم هذه النبية؟ فأراد العباس أن ينكر فقال له: وما ذاك؟ قال أبو جهل: تلك الرؤيا التي رأت عاتكة! قال العباس: وما رأت؟ قال أبو جهل: يا بني عبد المطلب! أما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم، قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال: انفروا إلى مصارعكم في ثلاث، فسنتربص بكم يا بني عبد المطلب! هذه الثلاث، فإن يك حقاً ما تقول فسيكون، وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شيء؛ نكتب عليكم كتاباً أنكم أكذب أهل بيت في العرب، وكانت هذه فرصة لـ أبي جهل ليشمت في بني عبد المطلب؛ فإن الصراع طويل جداً بين بني مخزوم -قبيلة أبي جهل - وبين بني هاشم قبيلة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسبحان الله! مر يومان، وفي اليوم الثالث وأبو جهل يستعد للشماتة في بني عبد المطلب جاء ضمضم بن عمرو الغفاري الذي بعثه أبو سفيان وهو يصرخ: يا معشر قريش! اللطيمة! اللطيمة! أموالكم قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث، فنفر كل أهل قريش، وتحققت رؤيا عاتكة.
أريد منكم أن تتخيلوا نفسية الجيش وهو خارج للقتال وهو على الأقل يشك -إن لم يكن متيقناً تماماً- أنه يخرج إلى مصارعه.
وراجعوا التاريخ فإنكم ستجدون كسرى رأى رؤيا قبل القادسية، كذلك رستم قائد الفرس، كان لها أكبر الأثر على الفرس، كذلك رأى هرقل، ورأى قائد الجيش الروماني في اليرموك، والكلام كثير جداً في هذا الموضوع ومتكرر.
وعلى الجانب الآخر جيش المؤمنين في ليلة بدر، رأى الرسول صلى الله عليه وسلم رؤيا في منامه، أن الكفار أقل من العدد الذي أحصوه قبل ذلك، وذكر ذلك للصحابة فاستبشروا كثيراً، وثبتتهم هذه الرؤيا، قال سبحانه وتعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَ