للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إرجاع من أسلم من أهل مكة بعد صلح الحديبية لقريش وعدم إرجاع من ارتد إلى المسلمين]

البند الرابع، وهذا البند يحتاج منا وقفة مهمة، البند الرابع: من جاء قريشاً ممن مع محمد صلى الله عليه وسلم هارباً منه لم يرد إليه، ومن أتى محمداً صلى الله عليه وسلم من غير إذن وليه هارباً منه رده عليهم، يعني: من يأتي المسلمين من أهل قريش بعد صلح الحديبية مسلماً يرجعونه إلى أقاربه، إن كان أقاربه يرفضون إسلامه، ومعلوم أن كل المشركين سيرفضون إسلام أهل مكة.

إذًا: هذا البند يقضي أن كل مسلم جديد بعد صلح الحديبية سيرجع مرة أخرى إلى مكة المكرمة، وعلى الناحية الأخرى إذا ارتد أحد المسلمين وذهب إلى مكة لا تعيده مكة إلى المسلمين.

هذا البند في ظاهره في صالح القرشيين، لكن تعالوا نحلل هذا البند، هذا البند يتكون من جزأين: الجزء الأول: من يهرب من الصف المسلم إلى الصف الكافر، هل يريده المسلمون؟ لو أن شخصاً من المسلمين ارتد وقرر أن يكون في صف قريش هل نتمسك به؟ هل نجبره على البقاء في المدينة المنورة وهو كاره للإسلام والمسلمين؟ واضح جداً أننا لسنا بحاجة إليه، بل لو كان هذا البند غير مكتوب في المعاهدة كل من يريد أن يرتد من المسلمين سيبطن هذه الردة ولن يظهرها؛ لأنه خائف من أن ترجعه قريش إلى المسلمين؛ لذلك هذا البند يسمح لكل من في قلبه مرض أن يظهر هذا المرض، ويتخلص منه المسلمون، وقد ذكرنا الآية قبل هذا أكثر من مرة، قال الله عز وجل في كتابه: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [التوبة:٤٧]، يعني: المنافقين، فأنا لماذا أدع المنافق داخل المدينة المنورة يدل على عوراتي، وينقل أخباري إلى المشركين، ففي بقاء أهل النفاق خطورة شديدة على المسلمين، والمسلمون ليسوا في حاجة إلى من يبقي معهم بجسده وهو ليس معهم بقلبه، من أجل هذا فالتخلص منه أفضل.

إذاً: هذا الجزء من البند الرابع في صالح المسلمين.

الجزء الثاني هو الذي فيه سلبية واضحة: أي واحد من أهل مكة بعد صلح الحديبية جاء إلى المسلمين مسلماً، سواء كان إسلامه قبل صلح الحديبية أو بعده، فإن على المسلمين أن يردوه إلى مكة المكرمة، يردونه إلى أهله من الكافرين، ومعلوم إذا رد مسلم إلى الكفار فإنه قد يفتن في دينه، فقد يعذبه المشركون حتى يكفر بالله عز وجل، بالإضافة إلى أن المسلمين سيخسرون قوته، كان المفروض أن يضيف قوته إلى قوة المسلمين، فالمسلمون في هذه الحال لن يستفيدوا من قوته ومن طاقته.

إذاً: نستطيع أن نقول: هذه الفائدة الوحيدة التي حصلت قريش عليها في هذه المعاهدة الطويلة، فهذا البند يعتبر في صالح قريش، ولا بد أن يكون في صالحها شيء، وإلا لما تمت المعاهدة، ومع ذلك هذه الجزئية من البند لا تخلو من فائدة للمسلمين، لكن كيف؟ نقول: المسلم الذي سيعود إلى مكة قد يصبح مصدراً للاضطراب في داخل دولة مكة، قد يدعو إلى الإسلام في داخل مكة، قد يؤثر على عقليات المشركين في داخل مكة، قد يجمع نفسه مع غيره ويصيب المشركين بأذى في داخل مكة أو في خارجها، بل قد يخفي إسلامه ويدل على عورات المشركين، ويحدث فتناً في داخل المشركين، فهو لا يقبل دينهم ولا يقبل عبادتهم، فيكون خطراً حقيقياً على المشركين، وهذا عين ما رأيناه بعد ذلك، يعني: حتى هذه الجزئية من هذا البند التي هي في صالح المشركين فيها خسارة للمشركين أيضاً.

هذه هي بنود صلح الحديبية الأربعة، تعالوا نراجع هذه البنود الأربعة سنجد أنها في الغالب في صالح المسلمين على حساب قريش، وفيها فوائد جمة ومزايا عميقة جداً، سبعة أثمان المعاهدة في صالح المسلمين، والجزئية الوحيدة التي تمثل ثمن المعاهدة التي في صالح المشركين في صالح المسلمين أيضاً، ولكن بخسارة، فأي فائدة لا تخلو من خسارة، هذا هو صلح الحديبية، وهذه هي قيمة هذا الصلح الكبير، وهذا هو الصلح الذي سيكون له نتائج غيرت ليس فقط وجه الجزيرة العربية، ولكن وجه العالم.