[إسلام أسيد بن حضير وسعد بن معاذ على يد مصعب بن عمير]
من أجمل وأروع وأعظم ما حدث مع أسعد ومصعب دعوة أسيد بن حضير وسعد بن معاذ رضي الله عنهما، وهما سيدا بني عبد الأشهل من قبيلة الأوس، وهي قبيلة أخرى غير قبيلة أسعد.
ذهب أسعد بـ مصعب إلى حديقة للأوس، وجمع له الذي استطاع أن يجمع منهم، وبدأ مصعب يقرأ عليهم القرآن، كل هذا وسادات الأوس في الحديقة، أسيد بن حضير وسعد بن معاذ، وكانا ما زالا مشركين، فسمع سعد بن معاذ بأمر مصعب وأسعد، فغضب غضباً شديداً، وفكر أن يذهب إليهما، لكن أسعد بن زرارة ابن خالة سعد بن معاذ فرأى غير ذلك، فقال سعد بن معاذ لـ أسيد بن حضير: اذهب إلى هذين اللذين قد أتيا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارينا، فإن أسعد بن زرارة ابن خالتي، ولولا ذلك لكفيتك هذا، فأخذ أسيد حربته وذهب إليهما، فلما رآه أسعد آتياً من بعيد لم يخف، ولكنه قال لـ مصعب كلمة في منتهى الأهمية، قال له: هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق الله فيه.
انظروا إلى فقه أسعد، علم أن الصدق مع الله يفتح القلوب، ويُذكر من؟! يذكر مصعباً القارئ المقرئ، يذكر الرجل الذي عنده علم، لكن: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:٥٥].
قال مصعب لـ أسعد: إن يجلس أكلمه، فجاء أسيد ووقف عليهما مستعداً للقتال، وقال: ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا، اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة.
يعني: اذهبا من هنا لو كنتما تخافان على أنفسكما.
كلام غليظ مستفز، لكن قلب مصعب واسع، فقال في منتهى الهدوء وسعة الصدر: أو تجلس فتسمع؟! فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته كففنا عنك ما تكره.
فقال أسيد بن حضير: أنصفت، وجلس وهو مستند على حربته.
بدأ مصعب رضي الله عنه يتكلم عن الإسلام، وبدأ يقرأ القرآن، ووقعت كلمات الرحمن في قلب أسيد بن حضير فتغير وجهه تماماً، وذهب الغضب من وجهه، وبانت عليه سكينة وهدوء، وتأثر لدرجة أن أسعد بن زرارة يقول: فو الله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم، في إشراقه وتهلله.
قال أسيد بن حضير: ما أحسن هذا الكلام وما أجمله، وبعد ذلك قال كلمة عجيبة جداً وهو جالس في نفس اللحظة: كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ كان الرجل يقف مستعداً للقتال، وفي لحظة ترك دينه الذي عاش عليه سنوات وسنوات بمجرد أن سمع بعض الآيات، وبعد أن جاء ليطردهما وأسعد من الخزرج ومصعب ليس من المدينة أصلاً، لكن كلمات القرآن كانت تنزل على قلب أسيد برداً وسلاماً، غيرته كلية من دينه ومن حياته، يريد أن يدخل في الإسلام مباشرة.
قال له أربعة أشياء: تغتسل، وتطهر ثوبك، ثم تشهد شهادة الحق: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم الرابعة: تصلي ركعتين.
فقام واغتسل وطهر ثوبه وتشهد وصلى ركعتين، وأصبح أسيد مسلماً.
بهذه السهولة انتقل من معسكر الكفر إلى معسكر الإيمان، وما هي إلا دقائق حتى شعر أسيد رضي الله عنه بحلاوة الإسلام، وأحب أن ينقل هذه الحلاوة لمن يحبهم، ولم يصبح مسلماً فقط، بل أصبح داعية، ففكر في سعد بن معاذ، قال أسيد: إن وراءي رجلاً إن تبعكما لن يتخلف عنه أحد من قومه، وسأرشده إليكما، ذهب أسيد ليخبر سعد بن معاذ، فلما رآه سعد من بعيد، وكان رجلاً ذكياً لماحاً، قال بنظرة واحدة: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، وصدق سعد، لقد ذهب أسيد من عنده بوجه كافر، وعاد إليه بوجه مؤمن، وشتان بينهما، فقال له سعد: ماذا عملت؟ ففكر أسيد أن يكذب لكي يدفع سعداً للذهاب إلى مصعب، لم يكن يعرف أن الكذب حرام في الإسلام، فبدأ يؤلف قصة، وقال: والله ما رأيت بهما بأساً، وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حُدثت أن بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك ليخفروك.
يعني: لإهانتك.
فأخذ سعد بن معاذ حربته وتوجه إليهما، فلما وصل لم يجد بني حارثة ولم يجد أحداً معهما، بل وجدهما جالسين من غير أي مشاكل، ففهم أن أسيداً كان يدفعه لكي يأتي ويقابلهما، ولم يجد بداً من أن يجلس معهما لكي يطردهما بنفسه.
لما رآه أسعد