خرج المسلمون للجهاد من جديد، وكأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يختبر الصدق في كلام سعد بن معاذ رضي الله عنه، فحدث أمر شق على المسلمين كثيراً، لكنه كان حلماً لـ سعد بن معاذ رضي الله عنه، فقد أُصيب البطل الإسلامي الشاب سعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه بسهم في ذراعه أو كتفه، وكانت الإصابة شديدة الخطورة، وكانت أزمة فوق كل الأزمات التي مضت، فهو زعيم الأوس وحكيم من حكماء المسلمين وفارس من فرسانهم، وهو المطاع في قومه، والحبيب ليس فقط لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بل لله رب العالمين.
فيا ترى! ما هو رد سعد بن معاذ وهو شاب يُصاب إصابة قاتلة وعمره (٣٧) سنة؟ قال سعد وهو يدعو الله عز وجل: اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إليّ أن أُجاهده فيك من قوم كذّبوا رسولك وأخرجوه، اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني لهم حتى أُجاهدهم فيك، وإن كنت وضعت الحرب فافجرها -أي: افجر إصابتي واجعلها تزيد- واجعل موتتي فيها.
وهو شاب عمره (٣٧) سنة يرجو من الله سبحانه وتعالى ألا يلتئم الجرح لكي يموت! وعندما يصبح الموت أمنية فهي موتة شهيد، وهو لا يضمن إن عاش بعد ذلك أنه سوف يموت شهيداً، فهذه فرصة، فيدعو الله ألا تضيع هذه الفرصة، ثم قال في آخر دعائه: ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة.
حتى في لحظاته الأخيرة لا ينسى غدر بني قريظة، ولا ينسى هموم الأمة الإسلامية، والموقف قد تأزم جداً، وهو أشد مراحل الزلزال، ولا يوجد في الصف أي منافق، فكلهم خرجوا ولم يبق إلا المسلمون الصادقون، والمسلمون قد عملوا ما بوسعهم، حفروا الخندق في وقت قياسي، وتحملوا الجوع والبرد، وحموا الخندق بأرواحهم، وقاتلوا بضراوة، وسهروا وتعبوا وكافحوا، وعملوا المفاوضات وعملوا مجالس الشورى، وعملوا كل شيء من الممكن أن يُعمل في مثل هذه الظروف، وقبل هذا وأثناء هذا وبعد هذا اجتهدوا في الدعاء، فهم يعرفون أن النصر ليس من عندهم أبداً، بل هو من عند الله سبحانه وتعالى، فالمسلمون كانوا يدعون الله تعالى أيام الأحزاب، ويقولون: اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا، والرسول عليه الصلاة والسلام كان يدعو والمسلمون يؤمنون يقول:(اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم).