للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال المنافقين بعد غزوة تبوك]

كانت غزوة تبوك ضربة قاصمة للمنافقين، اضطروا جميعاً إلى كشف أوراقهم، وعلم المسلمون كل من كان منافقاً ويخفي ذلك، بل بعد تبوك تلقى المنافقون ضربتين من نوع آخر، وهاتان الضربتان حجمتا إلى حد كبير من قوة المنافقين داخل المدينة المنورة.

أما الضربة الأولى: فكانت هدم مسجد الضرار، ومسجد الضرار هو الذي بناه المنافقون لتشتيت المسلمين؛ ولبث أفكارهم الهدامة وفتنتهم الخطيرة في المدينة، وقد نزل الوحي يأمر الرسول عليه الصلاة والسلام بهدم هذا البناء الفاسد، مع كونه في الظاهر مسجداً، فأمر صلى الله عليه وسلم فرقة من الصحابة بهدم المسجد وتحريقه، فكانت ضربة مباشرة للمنافقين.

أما الضربة الثانية القاصمة: فكانت موت زعيمهم عبد الله بن أبي بن سلول رأس النفاق، والذي تولى كبر الفتنة بشتى أنواعها من بعد بدر وإلى غزوة تبوك، مات الرجل على نفاقه، ورفض الدعوى الكريمة التي وجهها له صلى الله عليه وسلم ليحسن إسلامه، بعد هذه الرحلة الطويلة من الصد والإعراض عن سبيل الله عز وجل، وأصر عبد الله بن أبي بن سلول على معتقده الفاسد، ومع ذلك عامله صلى الله عليه وسلم بمنتهى الرفق والرحمة؛ وذلك ليتألف قومه، وليخفف عن ابنه الصحابي الجليل عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول، وكان من صالحي الصحابة رضي الله عنه، فاستغفر صلى الله عليه وسلم لـ عبد الله بن أبي بن سلول بعد موته، وأعطاه قميصه ليكفن فيه، بل وصلى عليه على الرغم من معارضة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لذلك، وقد نزل القرآن بعد ذلك موافقاً لرأي عمر رضي الله عنه، قال الله عز وجل: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة:٨٤]، وبموت عبد الله بن أبي بن سلول انحسرت حركة النفاق جداً في المدينة المنورة، بل وفي الجزيرة العربية، ولم نسمع لهم صوتاً يذكر في العام العاشر من الهجرة.