للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم الطائف للدعوة]

فكر الرسول صلى الله عليه وسلم بالطائف، ولم يكن هذا الاختيار عشوائياً، فالرسول صلى الله عليه وسلم سياسي بارع، وقائد محنك يدرس كل خطوة بدقة شديدة، كانت الطائف تتميز عن غيرها من مدن الجزيرة بأشياء مهمة جداً: أولاً: تُعتبر الطائف هي المدينة الثانية في الجزيرة العربية بعد مكة، فهي مركز حيوي وهام من ناحية الكثافة السكانية والتجارة، ولها مكانة كبيرة في قلوب العرب، فقد كان يقول المشركون: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:٣١] القريتان: هما مكة والطائف، فكانت مكانتها عالية، والناس الذين فيها كثر.

ثانياً: في الطائف قبيلة ثقيف، وهي من أقوى القبائل العربية، وواضح أن قريشاً بعد هذا سوف تحارب الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا بد أن الرسول صلى الله عليه وسلم يبحث عن قبيلة قوية تستطيع أن تقف أمام قريش، وهذا ليس من السهل، وقبيلة ثقيف كانت في منتهى القوة لدرجة أنها هي القبيلة الوحيدة التي استعصت على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الفتح، وظل يحاصرها شهراً كاملاً ولم تُفتح، وإنما أتوا بأنفسهم وأسلموا، فهي فعلاً قبيلة قوية، وضخمة.

ثالثاً: كانت المنافسة الدينية بين مكة والطائف كبيرة، فإذا كانت مكة فيها البيت الحرام وهُبل، فالطائف فيها اللات أشهر أصنام العرب، وكثير من العرب كانوا يحلفون باللات، حتى ممن بداخل مكة، ولعل الطائف ترغب في سحب البساط من تحت أقدام مكة وتتبنى هذه الدعوة الجديدة؛ لكي تتفوق على مكة في ناحية الدين.

رابعاً: أن الطائف قريبة نسبياً من مكة، والمسافة بينهما حوالي (١٠٠) كيلو، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يريد أن يبتعد كثيراً عن مكة، ليسهل التنسيق بين مكة والطائف.

خامساً: كانت الطائف مهمة بالنسبة لأهل مكة، فأغنياء قريش بصفة عامة كانت لديهم أملاك في الطائف، من بني هاشم وبني عبد شمس وبني مخزوم، ولو دخلت الطائف في الإسلام فستكون ضربة اقتصادية موجعة لقريش.

ومن أجل هذا قرر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبتدئ بالطائف، فذهب إليها في شوال من السنة العاشرة من البعثة، في نفس الشهر الذي مات فيه أبو طالب أو بعد على حسب اختلاف الروايات، وهذا يبين إلغاء مصطلح الراحة من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كانت المسافة بين الطائف وبين مكة (١٠٠) كيلو، والطريق كله صحراء، والجو حار، وكان هذا في مايو أو يونيو سنة (٦١٩م)، ومع ذلك قرر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقطع هذه المسافة مشياً على الأقدام، ولم يكن من الصعب عليه أن يوفر جملاً أو حصاناً، لكنه أراد ألا يلفت النظر إليه، فلو رآه المشركون سيعلمون أنه مسافر، وتتعطل الدعوة، ولهذا السبب أيضاً أخذ معه زيد بن حارثة، ولم يأخذ معه غيره من الصحابة من فرسان المسلمين كـ حمزة أو عمر أو سعد أو الزبير ممن يحميه هناك في الطائف؛ لأن أي واحد من هؤلاء لو خرج مع الرسول صلى الله عليه وسلم خارج مكة سوف يلفت النظر، لكن لو أخذ معه زيد بن حارثة، وكان في ذلك الوقت متبنيه، ومعروف بـ زيد بن محمد، فلن يلفت نظر أحد، فهو رجل يمشي مع ابنه.