[موقف المسلمين من طلب الرسول صلى الله عليه وسلم منهم إرجاع سبي هوازن]
لما صلى الرسول صلى الله عليه وسلم الظهر بالمسلمين، ثم كما هو متفق عليه مع هوازن، قام وفد هوازن يخاطب المسلمين جميعاً، وكأنهم لم يجلسوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم قبل ذلك، وقالوا مثل ما نصحهم الرسول عليه الصلاة والسلام تماماً، قالوا: (إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله، في أبنائنا ونسائنا).
فقام صلى الله عليه سلم قابلاً شفاعة المسلمين وقال: (أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم) وكأن هذا الكلام لأول مرة يقوله، فالرسول عليه الصلاة والسلام قام بما ينبغي عليه تجاه هوازن، وبقي أن يقوم المسلمون برد سبيهم كما فعل صلى الله عليه وسلم وأن يقبلوا بشفاعته كما قبل هو بشفاعتهم، لكن تعالوا لنر رد فعل المسلمين، والحقيقة أن رد المسلمين كان متبايناً، فالبعض وافق والبعض رفض.
قام المهاجرون فقالوا: ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: نعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلق الحرية في التصرف فيه، وبالتالي سيرد إلى هوازن سبيهم، وقام الأنصار كذلك وقالوا: ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك دليل على أن المهاجرين والأنصار أخذوا من الغنائم، وإلا ماذا سيعيدون؟ فواضح أنهم أخذوا أربعة أخماس الغنيمة، والآن يعيدون ما أخذوه.
فهذا سبي أعيد من قسم هام من أقسام الجيش من المهاجرين والأنصار، لكن تبقى أقسام كبيرة من الجيش وخاصة الأعراب؛ لأنهم غالب الجيش، وهم في الأساس قبائل تميم وفزارة وسليم، فقام الأقرع بن حابس زعيم بني تميم وقال: أما أنا وبنو تميم فلا.
وقام عيينة بن حصن زعيم بن فزارة وقال: وأما أنا وبنو فزارة فلا.
وقام العباس بن مرداس زعيم بني سليم وقال: وأما أنا وبنو سليم فلا.
هذه ثلاث مشاكل كبيرة، فقامت بنو سليم وقالت: ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
يعني: بنو سليم رفضت كلام زعيمهم العباس بن مرداس وقالت: سنعيد السبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
موقف هذه القبائل الثلاث يحتاج إلى وقفة وتحليل.
قبيلة تميم وفزارة رفضتا إعادة السبي إلى هوازن، بينما قبلت قبيلة سليم، فبقيت مشكلتان أمام الرسول عليه الصلاة والسلام: المشكلة الأولى: هي رفض قبيلة فزارة وتميم إعادة السبي، وهذا الموقف قد يؤثر على إسلام هوازن.
المشكلة الثانية: الخلاف الذي ظهر بين رأي العباس بن مرداس زعيم قبيلة سليم وبين أفراد القبيلة.
أما المشكلة الأولى: وهي مشكلة رفض قبيلتي فزارة وتميم إعادة السبي، فالرسول عليه الصلاة والسلام لم ييئس من ذلك الأمر، لكن النظرة مادية بحتة عند تميم وفزارة، ولذلك دخل معهم الرسول صلى الله عليه وسلم في مساومة مادية تجارية تناسب طبيعتهم في هذه المرحلة، فكان صلى الله عليه وسلم واقعياً إلى أبعد درجة، لم يلمهم على أنهم لم يقبلوا شفاعته؛ لأن هذا حقهم ورفضوا أن يتنازلوا عنه، وليس هذا أمراً مباشراً منه صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: (أما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي فله بكل إنسان يتنازل عنه من السبي ست فرائض من أول شيء نصيبه).
سبحان الله! هل وقع في التاريخ كله موقف مشابه لهذا الموقف؟! أنا والله لا أجد له مثيلاً إلا موقفه صلى الله عليه وسلم من طلقاء مكة.
فالرسول عليه الصلاة والسلام سيدفع لهم قيمة ما عندهم من السبي مضاعفاً ست مرات من أول سبي يحصل عليه المسلمين بعد ذلك.
والنبي عليه الصلاة والسلام يدافع عن هوازن وكأنها أقرب الأقربين إليه صلى الله عليه وسلم، مع أنها لم تسلم إلا منذ ساعة من الزمان، وقبلها كانت من ألد أعدائه صلى الله عليه وسلم، يعني: أنه سيغرم الدولة الإسلامية ستة أضعاف قيمة السبي؛ من أجل الحفاظ على عقيدة هؤلاء القوم الجدد، فهو يتفاوض مع جيشه ليعيدوا السبي لهوازن لا يوجه لهم أمراً؛ لأنه يعلم أن ذلك حقهم.
وهو صلى الله عليه وسلم يفهم طبيعة النفس البشرية، ويفهم حدود العدل، ويفهم أسس القيادة، ويفهم قواعد الإدارة، ويفهم طرق الحكم، ويفهم فنون التعامل مع الناس بصفة عامة، إنه بلا جدال بحر لا ساحل له، وقدوة لا مثيل لها، من المستحيل أن نحيط بعظمته صلى الله عليه وسلم، ولو قضينا الأعمار في تحليل السيرة النبوية.
فماذا فعلت تميم وفزارة إزاء هذا العرض المغري من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! لقد قبلت القبيلتان بالكامل إعادة السبي إلى هوازن، ونجح العرض النبوي في الخروج من الأزمة، وعاد كل السبي إلى هوازن، إلا عجوزاً كانت في يد عيينة بن حصن الفزاري رفض أن يرجعها في أول الأمر كيداً لهوازن، ثم أعادها بعد ذلك، وبذلك حلت المشكلة الأولى، وعاد جميع السبي إلى هوازن.
المشكلة الثانية: أن هناك تعارضاً بين رأي زعيم القبيلة وبين جمهور الأتباع من القبيلة.
هذا السبي حق شخصي لكل فرد، ليس حقاً عاماً للقبيلة، بمعنى أنه لو اعترض فرد أو اثنان أو أكثر من أفراد القبيلة ما جاز هـ