[الملائكة]
سنعد عشرة من جنود الرحمن سبحانه وتعالى في يوم الفرقان، أول جنوده سبحانه الملائكة.
مَن مِن قادة الأرض يستطيع أن يحسب في حساباته عدد الملائكة المقاتلين في الجيش؟ لا المسلمون ولا الكفار يستطيعون أن يحسبوا هذه الحسبة، وهذا شيء معترف به من الجميع، فهو بيد الله عز وجل وحده، فإن جيوش الملائكة قاتلت في بدر، ونزلت كذلك في الأحزاب، والله سبحانه وتعالى قال: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب:٩]، ونزلت كذلك في حنين قال: {وَأَنزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة:٢٦]، ولا يستبعد أن تنزل في معركة قديمة أو حديثة أو مستقبلية، فهم جنود من جنود الرحمن سبحانه وتعالى: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:٦].
والملائكة خلق عجيب، وقوة خارقة غير متخيلة، فقد رفع جبريل عليه السلام قرية لوط عليه السلام إلى السماء على طرف جناحه، حتى سمع أهل السماء أصوات الناس ونباح الكلاب، ثم قلبها، فـ {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} [هود:٨٢]، سبحان الله! ملك واحد يرفع قرية كاملة إلى السماء، وملك يريد أن يطبق على الأخشبين -جبلين حوالي مكة-.
هؤلاء الملائكة شاركوا في غزوة بدر، ليس ملكاً ولا اثنين، بل جيشاً من الملائكة، يقول الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال:٩]، مردفين: أي يتبع بعضهم بعضاً، ومعنى ردف لكم: أي ردء لكم ومعين لكم، فهذه ألف من الملائكة في المرحلة الأولى من مراحل القتال، وبعد ذلك تطور الأمر، انظروا إلى قوله تعالى في موقعة بدر: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران:١٢٣ - ١٢٥]، مسومين: أي معلمين بعلامات.
قال الربيع بن أنس رحمه الله -من التابعين- مفسراً هذه الآيات: أمد الله عز وجل المسلمين بألف، ثم صاروا ثلاثة آلاف، ثم صاروا خمسة آلاف.
وقد يقول قائل: كان يكفي ملك واحد، فلماذا هذه الأعداد المتزايدة؟
الجواب
الله سبحانه وتعالى عرفنا الحكمة من وراء هذه الأعداد، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ} [الأنفال:١٠]، تخيل أن الرسول عليه الصلاة والسلام يبشر المسلمين بأعداد من الملائكة، بل تخيل المسلمين عند سماعهم لهذه الآيات، فكلمة واحد غير كلمة عشرة، وغير كلمة ألف، وغير كلمة خمسة آلاف، والجميع يعرفون أن ملكاً واحداً يكفي، فنزول خمسة آلاف من الملائكة بشرى كبيرة للمؤمنين، أضف إلى ذلك أن هذا العدد الكبير من الملائكة الذي اشترك في بدر هم مجموعة منتقاة من أفضل الملائكة، فالملائكة هم درجات.
روى البخاري عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه -من أهل بدر- قال: (جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: من أفضل المسلمين -أو قال كلمة نحوها، يعني: من أحسن المسلمين، أو من أعظم المسلمين- قال جبريل: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة).
أضف إلى ذلك أن جبريل وهو أفضل الملائكة على الإطلاق شارك في بدر بنفسه، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: (هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب) وفي رواية ابن إسحاق: (أبشر أبا بكر! أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، على ثناياه النقع)، والنقع التراب.
إني أريد منك أن تعيش معي في أرض بدر، تخيل أن جبريل جاء من بعيد راكباً على فرس يجري، وهو ممسك بلجام الفرس، والتراب يتصاعد من حول الفرس، وخلفه ألف من الملائكة الفرسان ترفع سيوفها وعليها أدوات الحرب، كتيبة ملائكية حقيقية، وبعدها كتيبة والثانية والثالثة والرابعة والخامسة.
يا ترى! كيف كان شعور المسلمين والرسول صلى الله عليه وسلم يشرح لهم أن الملائكة دخلت أرض الموقعة لتقاتل معهم؟ يا ترى! هل سيخاف المسلمون في موقف كهذا؟ هل من الممكن أن يهتزوا أو يجبنوا وهم يعرفون أن هناك جيشاً ملائكياً كاملاً يحارب معهم؟! هذا هو قول الله سبحانه: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ} [الأنفال:١٠].
ولم يعرف المؤمنون في بدر عن أمر الملائ