للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[واجباتنا تجاه نبينا صلى الله عليه وسلم]

هناك وقفة مهمة بعد دراسة هذه السيرة الرائعة: لا بد أن يظهر علينا في سلوكنا وحياتنا -بل وفي اعتقادنا- أثر لهذه الدراسة، لا بد أن هناك أمانة علقت في رقابنا، لا بد أن هناك واجباً حمل علينا.

في إيجاز شديد: يجب على كل مؤمن ومؤمنة بعد قراءة هذه السيرة أن يقوم بالأمور التالية، وهي واجبات في غاية الأهمية: أولاً: أن يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فهذه قضية مصيرية فعلاً، وهي علامة من علامات اكتمال الإيمان، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الشريف كما في البخاري عن أنس رضي الله عنه: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين).

والذي يعرف السيرة ولا يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسان مجنون لا عقل له، أو منافق لا إيمان في قلبه، أو عاصٍ غمرت المعاصي قلبه، أو متكبر ينكر الحق وهو يستيقنه، كل مواقف السيرة بلا استثناء تدفع دفعاً إلى حب الرسول صلى الله عليه وسلم، بل وإلى تقديم حبه على أي حب آخر، وهذا من أهم أهداف دراسة السيرة النبوية.

ثانياً: أن تعرفه صلى الله عليه وسلم بأن تدرس تفاصيل سيرته، فنحن تكلمنا في ست وأربعين محاضرة عن لقطات سريعة من حياته صلى الله عليه وسلم، وما أكثر ما كتب عنه وما سيكتب، وسيرته لا تنتهي عجائبها صلى الله عليه وسلم، ما أكثر من تكلم عنه صلى الله عليه وسلم من الدعاة والعلماء ومن المسلمين ومن غير المسلمين، نحتاج أن نجعل لأنفسنا يومياً ورداً ثابتاً نعرف فيه شيئاً عن حبيبنا صلى الله عليه وسلم، هذا الواجب الثاني: أن نعرفه صلى الله عليه وسلم.

ثالثاً: أن نعرف به الآخرين ممن لا يعرفونه، أو يعرفونه بصورة مشوهة مغايرة للحقيقة، وأن نحبب فيه خلق الله عز وجل، وأكثر من أوصيك بهم أولادك وأطفال المسلمين، فهؤلاء إن تربوا على حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلوا إلى كل نجاح في الدنيا والآخرة، ووصلت بهم الأمة إلى أعلى الدرجات.

رابعاً: أن تتبعه وتقلده صلى الله عليه وسلم في كل صغيرة وكبيرة في حياتك.

فنحن استمعنا إلى السيرة، وعرفنا منهجه صلى الله عليه وسلم، واطلعنا على سلوكه وأخلاقه، وأدركنا جهاده وصبره وكفاحه، نريد أن نسقط كل موقف من مواقفه صلى الله عليه وسلم على واقع حياتنا، نريد أن نطبق كل سنة من سننه ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.

واعلم أن علامة الحب الرئيسة هي الاتباع، وأن حباً بلا اتباع يعني غروراً وبطراً وجهلاً وحماقة.

خامساً: أن تصدقه في كل ما قاله أو أخبر عنه صلى الله عليه وسلم.

اقبل كل ما قاله صلى الله عليه وسلم دون تردد، صدق أحاديثه دون ريب، اعلم أنك قد تفتن بعقلك فترد حديثاً صحيحاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو طريق الهاوية، ومنحدر الهلاك فلا تلقين أبداً بنفسك فيه.

سادساً: أن تدافع عنه الحملات الشرسة التي تحاول النيل منه صلى الله عليه وسلم، وهي حملات لا تنتهي.

رأينا في السيرة النبوية الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم رجالاً ونساءً وشيوخاً وأطفالاً يدافعون بالغالي والثمين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأينا الرجل يتمنى أن يقتل ولا يشاك رسول الله صلى الله عليه وسلم شوكة في قدمه، رأينا الأطفال يقاتلون الفرسان، والنساء يحملن السيوف، ورأينا الأموال تنفق، والجهود تبذل حتى يتم الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو المنهج الذي نريد أن نسير عليه في حياتنا كلها: أن ندافع عن الرسول عليه الصلاة والسلام بكل ذرة في حياتنا، بكل أموالنا، بكل جهدنا، بكل فكرنا، بكل حياتنا.

سابعاً: أن نشتاق إليه صلى الله عليه وسلم.

والذي هو مشتاق فعلاً لإنسان يتمنى أن يقابله، وهذا في الدنيا يكون في عمرة أو حج إن كنا مستطيعين لذلك نذهب ونزوره في مسجده صلى الله عليه وسلم ونسلم عليه في قبره، وسيرد عليك السلام حتماً كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف، لكن الأهم من ذلك والأعظم: أن نشتاق إلى لقائه عند حوضه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، ولا يكون ذلك إلا بإيمان عميق، وبعمل صالح، وباتباع دقيق لسنته صلى الله عليه وسلم، وإلا قال لنا يوم القيامة: سحقاً، سحقاً.

ونسأل الله عز وجل أن يسقينا من حوضه شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً.

ثامناً: أن تحب آل بيته صلى الله عليه وسلم.

هذا أمر هام جداً وعظيم، وللأسف فالكثير من المسلمين لا يظهر ذلك خوفاً من التشبه بمغالاة الشيعة في أمر أهل البيت، لكن الصواب أن يقف المسلم موقف الاعتدال الذي أراده لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو قد أوصى بآل بيته وبحبهم، وفي نفس الوقت ربط هذه المحبة بطاعتهم لله عز وجل وعدم مخالفتهم له، هذا هو الميزان الأمثل في التعامل.

يقول الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه في صحيح مسلم: (أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي) قالها ثلاثاً صلى الله عليه وسلم، كل هذا لا يتعارض مع وجوب اتباع