للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية إسلام عمرو بن العاص]

لقد ظل عمرو بن العاص فترة طويلة جداً من حياته يرفض فكرة الإسلام، فـ عمرو بن العاص عندما أسلم كان عمره سبعاً وخمسين سنة، بقي فترة طويلة جداً من حياته يحارب الإسلام والمسلمين، فقد ظل أكثر من عشرين سنة من عمره وهو يرفض فكرة الإسلام، فما الذي غيّر فكر عمرو بن العاص؟ كانت عند عمرو بن العاص موانع كثيرة جداً، فقد كان له قيمة كبيرة في قريش كـ خالد بن الوليد، وكان أبوه العاص بن وائل من أشد أعداء الدعوة الإسلامية، فقد تربى في بيت يكره الإسلام والمسلمين، فهذا الذي جعله يتأخر هذه الفترة الطويلة من الزمن، وانظر إلى بداية التغير في فكر عمرو بن العاص، يقول: لما انصرفنا مع الأحزاب عن الخندق جمعت رجالاً من قريش كانوا يرون رأيي ويسمعون مني، فقلت لهم: تعلمون -والله- أني أرى أمر محمد يعلو الأمور علواً عظيماً، فبدأ عمرو بن العاص وهو من دهاة العرب، فكان يرقب بعينه أن الأيام القادمة للمسلمين وعلى قريش، فقال: وإني قد رأيت أمراً فما ترون فيه؟ قالوا: وماذا رأيت؟ قال: رأيت أن نلحق بالنجاشي، وقد كان النجاشي صديقاً حميماً لـ عمرو بن العاص، فيقول: رأيت أن نلحق بالنجاشي فنكون عنده، فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي.

فإنا أن نكون تحت يديه أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد.

انظروا إلى أي مدى بلغت الكراهية في قلبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: لأن يحكمهم النجاشي خير من أن يحكمهم محمد صلى الله عليه وسلم، مع أن محمداً صلى الله عليه وسلم قرشي، ومن نفس القبيلة التي منها عمرو بن العاص، وقد كان عمرو بن العاص سهمياً قرشياً، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام هاشمياً قرشياً، لكن عمرو بن العاص يقبل بحكم النجاشي ولا يقبل بحكم بمحمد صلى الله عليه وسلم! ثم يقول: وإن ظهر قومنا فنحن من قد عرفوا، فلن يأتينا منهم إلا كل خير، أي: أنه لو انتصرت قريش على المسلمين فسيعود بعد ذلك عمرو بن العاص وله من المكانة المحفوظة ما له في قريش.

وهذا موقف سلبي؛ لأنه يترك الحرب تثور بين قريش وبين المسلمين، فإن انتصرت قريش عاد إليها وإن لم تنتصر بقي هناك عند النجاشي، هذا موقف سلبي من عمرو بن العاص في ذلك الوقت، وسبحان الذي أعزه بعد ذلك بالإسلام.

المهم أن أصحابه وافقوه على هذا الرأي، وقالوا: إن هذا هو الرأي، قال: ثم قلت: فاجمعوا لنا ما نهديه له، وكان من أكثر ما يحبه النجاشي هو الجلود، ولذلك جمعوا له كمية كبيرة من الجلود وأخذوها وسافروا إلى النجاشي، وكما يقول عمرو بن العاص: فوالله إنا لعنده إذا جاءه عمرو بن أمية رضي الله عنه الصحابي الجليل أرسله الرسول عليه الصلاة والسلام إلى النجاشي ليأتي بـ جعفر بن أبي طالب وأصحابه بعد صلح الحديبية، فعندما رأى عمرو بن العاص عمرو بن أمية عند النجاشي فكّر في شيء، وهو أن يطلب قتل عمرو بن أمية، فإن قتله أصبحت له يد كبيرة عند قريش، فدخل عمرو بن العاص على النجاشي فقال له: أيها الملك! إني قد رأيت رجلاً خرج من عندك وهو رسول رجل عدو لنا، فأعطنيه لأقتله، فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا، لكن رد فعل النجاشي كان خارج تصورات عمرو بن العاص تماماً، لقد غضب النجاشي غضباً شديداً، حتى قال عمرو بن العاص: لو انشقت لي الأرض لدخلت فيها فرقاً منه، ثم قلت له: أيها الملك! والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتك، وكان النجاشي قد أسلم وأخفى إسلامه، لكن وجد فرصة لأن يدعو عمرو بن العاص، فهو يخاف أن يدعو بدعوته في داخل الحبشة حتى لا يخلعه قومه من كرسيه، لكن عمرو بن العاص صاحبه وبينهما علاقة قديمة جداً، فأراد أن يصل إليه بالخير الذي وصل إليه قبل ذلك، النجاشي، فقال النجاشي: أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لقتله؟ ثم قال عمرو بن العاص: قلت: أيها الملك! أكذلك هو؟ قال: ويحك يا عمرو أطعني واتبعه، فإنه والله لعلى الحق، وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده، وفجأة ألقى الله عز وجل في قلب عمرو بن العاص الإسلام.

وهذه تراكمات كثيرة، فهو منبهر كما ذكرنا قبل ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم، منبهر بكامل حياة الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن تنازعه نفسه ألا يؤمن؛ بسبب العادات والتقاليد، ومعاداة أبيه للرسول عليه الصلاة والسلام، فهذه أمور كثيرة جداً كانت مانعة له عن الإسراع إلى الإسلام، لكن فجأة اكتشف الحق أمام عينيه، فقال للنجاشي: أفتبايعني له على الإسلام؟ قال النجاشي: نعم، فبسط يده فبايعته على الإسلام، أي: أن إسلام عمرو ب