[موقفه صلى الله عليه وسلم من إقامة وال على مكة بعد الفتح]
كان من عادة الرسول عليه الصلاة والسلام إذا فتح بلداً أو دخل الإسلام إلى بلد أن يولي عليها أحداً من رجاله، لكن المشكلة أن أبا سفيان كان قبل ذلك زعيم مكة بعد مقتل أبي جهل، ولم يطمئن الرسول عليه الصلاة والسلام بعد إلى إسلامه حتى يعطيه إمارة مكة، وبالذات أن مكة أعظم مدن العرب على الإطلاق، فهو لا يستطيع أن يعطيها لرجل لم يثق بعد في إسلامه، ونحن علمنا أن في الحوار الذي دار بينه وبين الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن فيه أبو سفيان حتى اللحظات الأخيرة مقتنعاً تمام الاقتناع بقضية النبوة، فكيف يتصرف الرسول عليه الصلاة والسلام؟! إذا أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم الإمارة لغيره قد يحزن أبو سفيان وينقم على ذلك الأمر ويثور، وقد تثور بنو أمية التي منها أبو سفيان، والرسول عليه الصلاة والسلام لا يريد أن تحدث قلاقل أو اضطرابات في مكة وقد أسلمت بكاملها من لحظات قليلة أو أيام قليلة، فالرسول عليه الصلاة والسلام في لفتة بارعة أعطى إمارة مكة لـ عتاب بن أسيد رضي الله عنه، وكما ذكرنا أن عتاب بن أسيد كان من شباب مكة، فقد كان عمره حوالي (٢٠) سنة تقريباً، وكان من بني أمية من نفس قبيلة أبي سفيان، فإذا أعطاه الرسول عليه الصلاة والسلام إمارة مكة فسيكون فيه تأليف لقلوب بني أمية، ولن تقف بنو أمية طويلاً عند تنحية أبي سفيان عن إمارة مكة؛ لأن الأمير الجديد منها أيضاً، وعتاب بن أسيد شاب لم يتلوث كثيراً بعقائد المشركين، وليس هناك تاريخ عداء طويل بينه وبين المسلمين فيسهل قياده، وبالفعل فإن عتاب بن أسيد حسن إسلامه جداً، وكان كثير الصلاة والصيام والصدقة، وكان من المقربين جداً إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، واستطاع فعلاً بحكمة أن يحفظ الأمن والأمان في داخل مكة، فلم نسمع عن أي قلاقل في حياته في فترة حكمه لمكة المكرمة، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام يعلم أن عتاب بن أسيد معلوماته عن الإسلام قليلة جداً؛ لأنه لم يسلم إلا منذ أيام قليلة؛ فلذلك ترك معه معاذ بن جبل الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه؛ ليعلم الناس دينهم، لقد ترك معهم بحراً من بحور العلم معاذ بن جبل، فهو إمام العلماء يوم القيامة وأعلم الناس بالحلال والحرام رضي الله عنه، وأهل مكة فيهم الكثير من العقليات والمفكرين والمبدعين، فهم يحتاجون إلى رجل من علماء الأمة ليجادلهم فيما يختلفون فيه، ولا ننسى أن لهم تاريخاً طويلاً جداً مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وعندهم شبهات كثيرة قالوها قبل ذلك، وأعلم الناس في الرد عليهم في ذلك الوقت هو معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه، بذلك استقر الوضع في داخل مكة المكرمة، ودخل الناس جميعاً في الإسلام بفضل الله عز وجل.