[المقدمات الإعدادية لفريق الحق]
علم الرسول صلى الله عليه وسلم أن جيش مكة يستعد للخروج، فاجمع الصحابة للشورى، ولو راجعنا صفات الجيش المنتصر لوجدنا أن كل الصفات العشر تتكرر ثانياً في الجيش الذي خرج من المدينة إلى أحد، لكن سيحصل اختلاف في نقطة أو نقطتين، لكن إلى الآن الجيش الإسلامي يسير تماماً كما كان جيش بدر يسير.
فمن العوامل التي تحققت في الجيش المسلم: أولاً: الشورى.
جمعهم الرسول صلى الله عليه وسلم ليتشاوروا جميعاً، فأول شيء قرروه قبل التفكير في أي طريقة للقتال أن يؤمنوا المدينة المنورة، فقاموا بتشكيل فرقة لحماية الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام مستهدف، وقد يحصل أي جريمة لاغتياله صلى الله عليه وسلم، وهذا سيؤثر على المدينة المنورة، وكان على رأس هذه الفرقة كبار الأوس والخزرج: سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأسيد بن حضير، وهي من أقوى الفرق الإسلامية، وبدأت تحوط بيت الرسول صلى الله عليه وسلم والمسجد النبوي، وتسير معه في كل مكان.
ثانياً: وضعوا فرقاً لحماية مداخل المدينة المنورة، حتى لا يباغت المسلمون ليلاً أو نهاراً.
ثالثاًً: وضعوا دوريات مراقبة حول المدينة المنورة لاستطلاع مكان الجيش المشرك وخطواته وتحركاته.
رابعاً: جميع المسلمين في المدينة المنورة من الأوس والخزرج والمهاجرين كانوا لا يتحركون إلا بالسلاح حتى في أثناء الصلاة، فقد كان السلاح ملازماً لهم باستمرار، وهذا يوضح لنا صفة مهمة جداً من صفات الجيش المنتصر، وهي صفة الإعداد الجيد: مخابرات قوية أتت بالأخبار، حصار، حماية قوية للرسول عليه الصلاة والسلام، وحماية قوية للمدينة، واستعداد كامل للقتال.
ثم فكروا في الموقف الذي يقومون به: هل يخرجون خارج المدينة أو يمكثون بداخلها؟ أين يحاربون؟ يختارون أرض القتال هم أم يختارها العدو؟ وقبل أن يختاروا القرار قص عليهم الرسول عليه الصلاة والسلام رؤيا.
قال لهم: (إني قد رأيت والله خيراً، ثم قال: رأيت بقراً تذبح، ورأيت في ذباب سيفي ثلماً -خدشاً أو كسراً- ثم قال: ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة).
إذاً: رأى الرسول عليه الصلاة والسلام ثلاثة أشياء.
أولاً: رأى أن بقراً تذبح، وأول ذلك صلى الله عليه وسلم بأن نفراً من أصحابه يقتلون، وأول الخدش أو الكسر الذي في سيفه بأن رجلاً من أهل بيته يقتل، وأول إدخال يده في درع حصينة بالمدينة المنورة، أي: أنه يقاتل في المدينة المنورة، لكنه ذكر هذه الرؤيا ليس على أنها قرار يملى على المسلمين، ولكن في صورة رأي يستأنس به؛ لأنه لو كان وحياً ما جاز له أن يستشير الصحابة في هذا الأمر، لكنه يرى أن الأمر متروك للشورى ورأي المسلمين، فكان رأيه صلى الله عليه وسلم أن يقاتل في المدينة، بل صرح بعد ذلك بهذا الرأي وقال: (يقاتل المسلمون على أفواه الأزقة والنساء من فوق البيت)، يعني: لو بقي صلى الله عليه وسلم وجيشه في المدينة المنورة فإن جيش مكة سيضطر إلى دخول المدينة المنورة، وستكون الحرب حرب شوارع، والحرب التي تكون من هذا النوع تكون صعبة جداً على الجيش المهاجم للبلد، لكن معظم المسلمين كان لهم رأي آخر، خاصة الذين لم يشتركوا في موقعة بدر، كانوا يودون الخروج إلى قتال المشركين خارج المدينة المنورة، حتى قال قائلهم: (يا رسول الله! كنا نتمنى هذا اليوم وندعو الله، فقد ساقه إلينا وقرب المسير، اخرج إلى أعدائنا، لا يرون أنا جبنا عنهم)، وكان من أشد المتحمسين للخروج حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وأرضاه، حتى إنه قال كلمة عجيبة للرسول عليه الصلاة والسلام، قال: والذي أنزل عليك الكتاب لا أطعم طعاماً حتى أجالدهم بسيفي خارج المدينة، فانظروا إلى هذه العزيمة، وانظروا إلى القناعة برأي الخروج.
كان معظم الصحابة على هذا الرأي، ولم يكن على رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا القليل، وكان من هؤلاء: عبد الله بن أبي ابن سلول، وكما تعملون أن عبد الله هو زعيم المنافقون، ولم يكن موافقاً على رأي الرسول صلى الله عليه وسلم ومقتنعاً به، وإنما ليسهل عليه الفرار إلى داخل المدينة المنورة، فكل منهم سيقاتل على رأس شارع أو من داخل بيت، وسيكون هناك سهولة للفرار من الموقعة، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام نزل على رأي الشورى حتى وإن كان مخالفاً لرأيه، حتى وإن كان يتأول في رؤياه أن نفراً من أصحابه سيقتل، وأن واحداً من أهل بيته سيصاب، وأنه من الأفضل أن يقاتل في داخل المدينة، لكنه عندما رأى أن ذلك ليس وحياً من رب العالمين سبحانه وتعالى نزل عن رأيه لصالح رأي الأغلبية، وقرر الخروج من المدينة المنورة لقتال المشركين.
صلى الرسول عليه الصلاة والسلام بالصحابة يوم الجمعة، ووعظهم وأمرهم بالجد والاجتهاد، وبشرهم بالنصر إن هم صبروا وإن هم ساروا على نهج الله عز وجل وعلى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم، وبالفعل فرح الناس بالخروج وتجهزوا بنشاط