بعد هذا الانتصار العظيم للمسلمين، وبعد هذا الهروب الكبير لجيش المشركين، تخلى بعض المسلمين عن صفة واحدة من هذه الصفات العشر، فتغير الموقف تماماً، ففي أثناء هروب المشركين من أرض المعركة متجهين إلى مكة ألقوا كل ما معهم من الأمتعة والممتلكات والأثقال والأحمال، ألقى المشركون الدنيا خلفهم؛ ليتخففوا، وليستطيعوا الهرب، ورأى الرماة المسلمون من فوق الجبل الدنيا التي ألقاها المشركون خلفهم، فأخذ الرماة قراراً عجيباً، أخذوا القرار بالنزول لجمع دنيا المشركين.
تخيل! المخالفة الواضحة الصريحة لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، النزول من أجل جمع دنيا المشركين، قالوا: الغنيمة الغنيمة! الغنيمة الغنيمة! فهذه الغنيمة وهذه الدنيا وهذه الأموال أعمت أبصارهم تماماً عن تذكر ما قاله الحبيب صلى الله عليه وسلم، لكن القائد عبد الله بن جبير وقف لهم وذكرهم وقال: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: الغنيمة الغنيمة! فكانت مخالفة متعمدة لكلام الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكلام القائد المباشر عبد الله بن جبير.
وهكذا نزل ثمانون في المائة من الرماة، حيث نزل أربعون من الرماة من أصل خمسين؛ ليجمعوا الغنيمة مع المسلمين، ورأى خالد بن الوليد الثغرة، وكان قائداً عسكرياً محنكاً، وأتى بفرقته بسرعة والتف من حول جبل الرماة، وحاول عبد الله بن جبير رضي الله عنه ومن تبقى معه من الرماة أن يمنعوا خالد بن الوليد من الدخول على الجيش الإسلامي من الخلف، لكنهم فشلوا، فحاول عبد الله بن جبير قتالهم إلا أن مجموعة من فرسان المشركين قتلوه ثم أبادوا بقية الرماة.
والتف خالد بن الوليد من وراء الجيش الإسلامي وصاح صيحة عالية جداً سمعها المشركون الذين يفرون، أدركوا منها أن خالداً التف حول الجيش الإسلامي فعادوا للقتال من جديد، وحصر المسلمون بين خالد بن الوليد من الخلف والمشركين من الأمام، وهكذا وضع المسلمون بين فكي كماشة، وأسرعت امرأة من المشركين كان اسمها عمرة بنت علقمة، ورفعت اللواء الساقط على الأرض، واهتاج المشركون، وتحمسوا حماساً كبيراً في الهجوم على المسلمين، وقوتهم ذكريات بدر وذكريات الهزيمة الأولى في أحد، وبدءوا يضغطون على المسلمين من الناحيتين.