[التحام الجيشين]
بدأ القتال يوم السبت السابع من شوال سنة ثلاث للهجرة بعد حوالي سنة من غزوة بدر، بدأ اللقاء في منتهى الشراسة، وأول لقاء دار كان حول راية الكفار، وكان يحملها فارس من بني عبد الدار اسمه طلحة بن أبي طلحة العبدري، وكان من أكبر وأعظم وأشرس فرسان قريش، كانوا يلقبونه بكبش الكتيبة، فكان طلحة بن أبي طلحة أول من طلب القتال من قريش.
وخرج بهيئته المرعبة وكان راكباً جملاً، فأحجم المسلمون عن مبارزته؛ لأن شكله كان مرعباً، فتقدم الزبير بن العوام رضي الله عنه وأرضاه وانطلق إليه، وقفز فوق جمل طلحة بن أبي طلحة وجذبه من فوق الجمل إلى الأرض، وبرك فوقه وقتله رضي الله عنه وأرضاه.
فلما رأى الرسول عليه الصلاة والسلام الزبير بن العوام رضي الله عنه يقتل كبش الكتيبة طلحة بن أبي طلحة قال: (إن لكل نبي حواري وحواريي الزبير) رضي الله عنه وأرضاه، واحتدم اللقاء بسرعة، واشتعلت أرض المعركة.
وتقدم عثمان بن أبي طلحة أخو طلحة بن أبي طلحة وحمل الراية وطلب القتال، فخرج له حمزة رضي الله عنه وأرضاه وقتله.
ثم خرج أخوهم الثالث أبو سعد وقتله سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
وهكذا خرج مسافع بن طلحة.
ثم خرج كلاب بن طلحة.
ثم الجلاس بن طلحة، مجموعة كبيرة من بني عبد الدار، هؤلاء الستة من بيت واحد من بيت أبي طلحة.
كانت مأساة بالنسبة لبني عبد الدار، ومع ذلك خرج منهم واحد اسمه أرطأة بن شرحبيل فقتله علي بن أبي طالب.
ثم خرج شريح بن خالد فقتله غلام أنصاري اسمه قزمان.
ثم خرج واحد اسمه عمرو بن عبد مناف فقتله قزمان أيضاً.
ثم خرج ولد لـ شرحبيل بن هاشم فقتله قزمان أيضاً، فقد قاتل قزمان قتالاً شديداً في يوم أحد.
فهؤلاء عشرة قد قتلوا كلهم من بني عبد الدار، وكان كل واحد منهم يسلم الراية للآخر؛ لأنهم كانوا قد عاهدوا أبا سفيان ألا يتخلوا أبداً عن الراية، وصدقوا في ذلك.
ثم خرج مولى لبني عبد الدار كان اسمه صواب من الحبشة قاتل قتالاً أشد من السابقين جميعاً حتى قطعت يده الأولى ثم الثانية، ثم قطع رأسه وهو يحمل الراية حتى سقط، وبسقوط هذا الغلام الحادي عشر سقطت الراية المشركة، ولم يتسلمها أحد بعد ذلك.
كان اللقاء بأعلى مستوى، فالأرض كلها هجوم كاسح شامل، وكان شعار المسلمين في هذا اليوم: أمت أمت، وكانت البداية في صالح المسلمين، فقد قتلوا أحد عشر قتيلاً من غير أن يقتل واحد من المسلمين، فقد كان انتصاراً ضخماً ضعفت به معنويات الكفار، وارتفعت معنويات المسلمين إلى أعلى درجة، وبدأ المسلمون يقتلون في الكفار ويسيطرون على الموقف تماماً، وقاتل جميع المسلمين بمنتهى الضراوة والقوة.