[الفوائد المستنبطة من السرايا والغزوات]
بنظرة عامة على هذه السرايا والغزوات نجد أنه لم يحدث قتال في المعارك السبعة الأولى تقريباً، ومع ذلك لم تخل هذه المعارك من فوائد كثيرة جداً.
أولاً: هذه المعارك كسرت الحاجز النفسي الكبير الذي كان عند المسلمين.
فالمسلمون كان عندهم حاجز نفسي، فقد مكثوا أربع عشرة سنة بالتمام والكمال لا يقاتلون.
والمسلمون أمروا بعدم حمل السيف في وجه من يظلمهم طيلة هذه المدة، وترك الدفاع عن النفس كل هذه الفترة قد يورث ضعفاً في النفس أو شعوراً بقلة الحيلة، وقد يؤدي إلى ما يسمى بإلف الذل أو الهوان، فجاءت هذه السرايا أو الغزوات البسيطة نسبياً كوسيلة متدرجة للصعود بنفسيات الصحابة من حالة الاستكانة إلى حالة الاستنفار والنهوض، ومن حالة الصبر على عدم الدفاع إلى حالة الصبر على تبعات الهجوم، فقد نقلت هذه السرايا والغزوات جيل المهاجرين من كونهم مجرد جماعة مضطهدة مشردة، إلى كونهم دولة ممكنة، لها جيش ينفذ مخططات ويحافظ على الأمن ويرهب الأعداء ويحفظ الكرامة وهكذا، فكانت فعلاً نقلة نفسية في منتهى الروعة.
ثانياً: هذه الغزوات والسرايا دربت الصحابة على فنون القتال، ودربتهم على ركوب الخيل والحرب على الإبل والمناورة والخطة والتحرك والترقب، ففرسان العرب بصفة عامة كانوا يركبون الخيل والإبل ويحاربون بالسيف والدرع، لكن ليس من الممكن أن ندخل حرباً ضخمة بدون تدريب، خاصة أن المسألة ليست مجرد مسابقة أو استعراض، بل مسألة حياة أو موت، مسألة بقاء أمة أو فناء أمة.
ثالثاً: هذه الدوريات العسكرية عرّفت المسلمين الدروب والطرق حول المدينة المنورة، فالمهاجرون ليسوا من أهل المدينة المنورة، ولا يعرفون الطرق والمسالك حول المدينة المنورة.
رابعاً: هذه الدوريات أشعرت القبائل المحيطة بقوة المسلمين، وكشفت جرأة المسلمين في مواجهة قريش، مع أن قريشاً هي أكبر القبائل العربية وأقواها، فلا شك أن هذه الدوريات أدخلت الرهبة في قلوب هذه القبائل وبالذات الأعراب، وبدءوا يحسبون للمسلمين ألف حساب.
خامساً: نتيحة هذه القوة التي ظهرت للمسلمين استطاع المسلمون أن يقوموا بعقد بعض المعاهدات مع بعض قبائل المنطقة غير قبيلة جهينة، كقبيلة بني ضمرة وغيرها من القبائل، من أجل ذلك رسخ المسلمون أقدامهم في المنطقة.
سادساً: أن هذه الدوريات العسكرية أرسلت رسالة واضحة إلى قريش، هذا إعلان رسمي للحرب من قبل الدولة الإسلامية، مع أن قريشاً أعلنت الحرب من قبل، لكن هذا أول إعلان رسمي من الدولة الإسلامية للحرب على قريش.
فالعلاقة لن تستمر بين المسلمين وقريش كما كانت من قبل، لن تستمر كعلاقة ظالم بمظلوم، أو كعلاقة مستبد بمقهور لا، ستصبح من الآن علاقة دولة بدولة أخرى تكافئها وتناظرها.
ومن المؤكد أن هذا سيؤثر سلباً على نفسية أهل مكة، فإنهم يرون قوة المسلمين تتنامى والأعداد تتزايد، وجرأة المسلمين تصل إلى حد مهاجمة قريش لا مجرد الدفاع عن النفس.
فهذه الفائدة كانت من أعظم فوائد هذه الدوريات الإسلامية.