[موقف خديجة رضي الله عنها من الوحي]
رجع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الزوجة الحنون العاقلة الكاملة خديجة رضي الله عنها وأرضاها، وفؤاده يرجف حين نزل عليه جبريل بالوحي، وكانت السيدة خديجة تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حباً لا يوصف، عاشت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشر سنة كاملة قبل البعثة لم تر منه إلا كل خلق حميد، والرسول صلى الله عليه وسلم لم ير منها إلا كل خير وحب، لا تذكر كتب السيرة مشاحنة واحدة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها، ثم عشر سنين بعد البعثة، ليس فيها لحظات غضب أو شقاق أبداً، حياة زوجية مثالية إلى أبعد درجة.
حكى الرسول صلى الله عليه وسلم لـ خديجة ما حصل معه في الغار، وكان يظهر منه الرعب والهلع، وقال لها الكلمات التي نزلت عليه، ثم قال: (يا خديجة لقد خشيت على نفسي).
وأغرب من كل ما سبق ردة فعلها رضي الله عنها، وهي بحاجة منا إلى وقفة طويلة؛ إذ من المتوقع والطبيعي أنها تخاف كعادة النساء، أو كعادة البشر بصفة عامة، أو على الأقل تتعجب، لكن الغريب أنها كانت على العكس من ذلك، فقد نظرت إلى الموضوع بمنتهى البساطة، وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقص عليها أمراً عادياً، ليس هذا فقط بل قامت تقول له في يقين: (كلا والله لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرئ الضيف، وتعين على نوائب الحق)، بعد كل هذه الأشياء كيف يمكن أن يضرك الله سبحانه وتعالى بشيء؟! استنبطت السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها أن هذا الرجل صاحب الأخلاق الحميدة، وصاحب الآداب الرفيعة، لا يمكن أبداً أن يخزيه ربنا سبحانه وتعالى.
يلاحظ أن الذي لفت نظر السيدة خديجة هي معاملات رسول الله صلى الله عليه وسلم مع البشر، لم تشر إلى تعبده واعتكافه وتفكره، بل إلى علاقاته مع الناس، فهي المحك الحقيقي لتقييم الإنسان، وتكاد تكون هذه المعاملات الطيبة هي السبب في اقتناع الناس بمصداقية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا درس مهم أيضاً.
إذاً: كل نقطة وحركة وموقف في السيرة ليس فقط فيه درس، بل المئات من الدروس.
هذا هو المقياس الذي ينبغي للبشر كلهم أن يقيسوا عليه حياتهم، لابد من أخذ القدوة والأسوة من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لتكون حياتنا كحياته مليئة بالروعة والجمال.
(كلا والله لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرئ الضيف، وتعين على نوائب الحق)، صلى الله عليك وسلم، فهدأت نفسه صلى الله عليه وسلم بعدما سمع كلام السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها، وهذا هو دور الزوجة الصالحة، أنها في المقام الأول سكن لزوجها، ليست مصدر إزعاج أبداً، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم:٢١].
إذاً: أول مهمة وأعظم مهمة للزوجة: أنها سكن وطمأنينة وهدوء وابتسام، ورفع للروح المعنوية للزوج، وتسكين لفزعه، وتخفيف لآلامه، هذه هي الزوجة المسلمة {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم:٢١]، فهي نعمة من الله عز وجل، وآية من آياته سبحانه وتعالى.
لما سكن الرسول صلى الله عليه وسلم واطمأن لم تشأ السيدة خديجة أن تترك نفسها وزوجها للأوهام، بل قالت له: دعنا نذهب إلى ورقة بن نوفل ابن عمها، تعال نذهب إلى أهل العلم لنرى رأي الدين في هذا الأمر.
ذهبت خديجة إلى ورقة بن نوفل ولم تذهب لأي شخص آخر في جزيرة العرب، لم تذهب لكاهن، أو لخادم للأصنام، أو لحكيم من حكماء قريش، بل اختارت رجلاً كان قد تنصر، عنده علم من دين السابقين.
هذه كلمة لكل شاب مسلم: اختيار الزوجة الصالحة نقطة محورية في حياة الفرد المسلم، لا تتسرع، فهذه نقطة مهمة في بناء الأمة، لابد أن تكون زوجتك من نوعية خديجة، انتبه لا تسع خلف المال أو الجمال أو الوضع الاجتماعي وتنس الدين، لا تقل: أنا سأعلمها الدين، تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اظفر بذات الدين تربت يداك).