كان طريق مصعب بن عمير رضي الله عنه طويلاً جداً، حتى يكون شهيداً، أسلم مبكراً، وخاض جهاداً في سبيل الله في مكة والحبشة والمدينة وبدر وأحد، في محطات كثيرة أبلى بلاءً حسناً، وتعب كثيراً وبذل كثيراً وضحى كثيراً، ثم في النهاية أنعم الله عز وجل عليه أن مات شهيداً في سبيله، وكأنها هدية، وقبل أن يستشهد قطعت يمينه وقطعت شماله ومع ذلك لم تسقط الراية من يده؛ لأنه كان مشتاقاً إلى الشهادة.
وطالباً للموت بصدق، وإن تصدق الله يصدقك:(من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه).
فاستشهد مصعب بن عمير رضي الله عنه وأرضاه بعد رحلة كفاح طويلة، مر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف عليه ودعا له، ثم قرأ:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}[الأحزاب:٢٣]، ثم قال صلى الله عليه وسلم:(أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فائتوهم وزوروهم، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه)، هذا الحديث في مستدرك الحاكم وهو صحيح.
إن شهداء أحد يردون السلام على من سلم عليهم وإلى يوم القيامة، وزيارة شهداء أُحد أصبحت سنة شرعها لنا صلى الله عليه وسلم، وكان دائم الزيارة لشهداء أُحد إلى مماته، وقبل الممات بقليل خرج صلى الله عليه وسلم ليزور شهداء أُحد ويستغفر لهم، فهذه قيمة كبيرة في ميزان شهداء أُحد رضي الله عنهم أجمعين.