للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسير الأنبياء وتلامذتهم، فلا مقدرة على تمييز كلام اللَّه عن كلام البشر، ومن أدلة وقوع التحريف في التوراة والإنجيل تعدد نسخها، واختلافها فيما نقلته من أمور وأحكام وآراء وتواريخ، وما تضمنته من العقائد الباطلة، عن اللَّه تعالى مثل التثليث وزعم الصاحبة والولد له تعالى، وعن الأنبياء الكرام من نسبة الرذيلة إليهم والقدح فيهم وفي شرفهم وفي أعراضهم، والإتيان بما ينافي عصمتهم.

ولذلك كان الإيمان بهذه الكتب إنّما هو بالتصديق أنها في أصلها منزلة من عند اللَّه، أمّا واقعها فإنها قد أصابها التحريف والتبديل كما أخبر تعالى قوله: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} (١) الآية، وقوله: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (١٤) يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (١٥)} (٢).

أمّا القرآن العظيم فإنه لا يزال محفوظًا بسوره وآياته وكلماته وحروفه وحركاته وفواصله وآياته، كما تلاه جبريل على رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- وكما تلاه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على صحابته رضوان اللَّه عليهم أجمعين.

ولذلك وجب الإيمان بأن القرآن العظيم كلام اللَّه تكلم به حقيقة بحرف وصوت، وأنه يجب أتباع أمره واجتناب نهيه وتصديق خبره، ورفض كل ما يخالفه، ولابد من تحليل حلاله وتحريم حرامه والاعتبار بأمثاله، والاتعاظ بقصصه، والعمل بمحكمه والتسليم لمتشابه، والوقوف عند حدوده، وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، ورد تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، والنصيحة له ظاهرًا وباطنًا، والجزم بأنه منزل غير مخلوق؛ لأن الكلام صفة من صفات اللَّه تعالى، وليست صفات اللَّه


(١) الآية ٤٦ من سورة النساء.
(٢) الآيتان ١٤، ١٥ من سورة المائدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>