للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت متسلطة عليه فكرهها وهجرها إلى أن ماتت، وانعكس علاقته بأمه على نفسه فصب مقته على النساء، وكان سليط اللسان، سفه أحلام معاصريه من الفلاسفة بكلام همجي ووصفهم بالدجل والثرثرة، كان شديد التشاؤم معقد النفس، مغترًا بنفسه، ممتلئًا بالمخاوف والقلق، ينام ومسدسه المحشو بالذخيرة تحت وسادته، يخاف من المرض ويتحرز منه بشدة وهلوسة، فإذا كان سليمًا معافى شك أنه ربّما كان مريضًا بشيء لا يعيه، منهمك في محبة الطعام والخمر والنساء رغم ادعائه أنه يمقتهن.

تقوم آراؤه الفلسفية على إنكاره لوجود الرب الخالق العظيم -سبحانه وتعالى-، وعلل الوجود بأنه إرادة عمياء، وجعل الدافع الجنسي إرادة عمياء وأعضاء التناسل هي بؤرة هذه الإرادة وهي المركز الذي يقابله المخ، وأعضاء الجنس عنده هي أساس الحياة؛ لأنها تحفظها، وتتضمن حياة لا تنتهي، ومن أجل ذلك -في رأيه- عبدها اليونان واليهود، ويرى أن العلاقة الجنسية هي المحور المركزيّ لكل عمل وسلوك وهي تتجلى في كل شيء رغم محاولة سترها (١)، ويعتبر الغريزة الجنسية روح شجرة النوع الذي تنمو عليها حياة الفرد، وبسب تشاؤمه قرر أن العالم شرّ، وجره كفره باللَّه واليوم الآخر إلى هذه الفلسفة، وإلى حياة الشقاء التي عانى منها {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} (٢).

دعا إلى الفن والأدب والجمالية التي تحتقر الواقع، وتكون بمنأى عن المصالح الحيوية للناس (٣)، وقد شكلت فلسفته وآراؤه الأساس الاعتقادي لفلسفة نيتشه (٤).


(١) أفكار شوبنهاور في الجنس هي نفسها التي أخذها فرويد فيما بعد ونشرها بأن جعل الجنس هو الدافع الوحيد الموجه لسلوك الإنسان.
(٢) الآية ١٢٤ من سورة طه.
(٣) سيأتي في هذا البحث -إن شاء اللَّه- إثبات أن هذه الفكرة تعد من أصول الحداثة العربية.
(٤) انظر ترجمته في: الموسوعة الفلسفية لأكادميين سوفييت: ص ٢٦٦، والموسوعة الفلسفية لعبد المنعم الحفني: ص ٢٥٥ - ٢٥٩، وموسوعة أعلام الفلسفة ٢/ ٤٢، ومعجم الفلاسفة: ص ٦٥٩ - ٦٦١، وكواشف زيوف: ص ٤٣٢ - ٤٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>