للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شخصيّ للعالم، والعالم -من وجهة نظر الربوبية- قد تُرك لفعل قوانينه الخاصة بعد أن خُلق، وكان أول ظهور الربوبية في إنجلترا، وهربرت أوف تشيربوري ٩٩١ - ١٠٥٨ هـ/ ١٥٨٣ - ١٦٤٨ م هو "أبو الربوبية"، وحيث كانت تسود المفاهيم الدينية الإقطاعية فإن الربوبية كانت غالبًا ما تتخذ شكلًا زأئفًا من المذهب الإلحاديّ) (١).

هذا هو المذهب الربوبيّ كما يسميه فلاسفة الغرب، وقد انتشر من إنجلترا وعبر القنال إلى سائر القارة الأوربية، وأصبح جزءًا من حركة الفلاسفة الكبار في فرنسا (٢).

وفي حقيقة الأمر أن هذا المذهب وإن كان أصحابه يقرون بأن الكون له موجد إلّا أنهم أقرب إلى الإلحاد منهم إلى الإثبات كما في التعريف السابق أن هذا المذهب اتخذ شكلًا زائفًا من المذهب الإلحاديّ، فهو عبارة عن مسخ فكري ماديّ لايؤمن باللَّه كما هو عليه -سبحانه وتعالى- من صفات، ولا يقول بأقوال صريحة في الإلحاد، ويتجلى ذلك في شخصية فولتير صنم الحداثيين وقبلتهم الفكرية، فقد هاجم الأناجيل والكتب المقدسة عند اليهود والنصارى، وعدّى ذلك بنظرته التشاؤمية إلى سائر الأديان باعتبارها مصدرًا للتعصب والتعسف والظلم، ورفض علم ما بعد الطبيعة لأنه مصدر تعاسة الإنسان كما يقول فولتير، وخلص إلى رفض العقائد الدينية والوحي والمعجزات، وآمن بدين ألوهيّ خاص به كما يقول المترجمون له، وأن للكون إلهًا علويًا غامضًا لا يعنى بشؤون الناس والكون، ولا يعنى بتنظيم حياة البشر، وقد نزع في كل ذلك نزعة أبيقورية (٣).


(١) المعجم الفلسفي لأكادميين سوفييت: ص ٢٢٧ وفيه ذكر أسماء الذين يعتقدون بهذه العقيدة بعضهم ممن ورد في الهامش السابق.
(٢) انظر: تاريخ الفكر الأوربيّ لرونالد سترومبرج، ترجمة أحمد الشيباني ٢/ ٥٥، ٥٩، ٦١، ٦٤، وفيه ذكر أنه انتشر نتيجة لقصائد فولتير، وأن من رموزه ديدرو وجون ثولاند، وماثيوتندال، وانتوني كولنز.
(٣) نسبة إلى الفيلسوف اليوناني أبيقور الذي يعد من أوائل الفلاسفة الملحدين، وقد سبقت ترجمته ص ١١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>