للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولست هنا في صدد الرد المفصل على هذه الأقوال الادعائية، إذ المقصود بيان أوجه الانحراف الاعتقاديّ في أدب الحداثة، ومقولات هذا الملحد المغالط في قضية نفي وجود اللَّه تعالى والتشكيك في ذلك عديدة أترع بها كتابه، فمرة يجحد بصراحة، ومرة يوهم ويشكك، ومرة يجعل اللَّه تعالى شيئًا من الأشياء المخلوقة، فإنه بعد أن قرر أن الإنسان وجد صدفة ويموت صدفة وسيفنى الجنس البشري صدفة ويوجد جنس بشري آخر (١)، تناقض وصرح بأنه لابد من وجود قانون كلي يرتبط به الكون وجودًا وعدمًا فقال: (. . . إذا كان لا يوجد خلاف حول وجود قانون يحكم الكون بدقة شديدة وأن خلف هذا القانون إرادة منظمة امتزجت به يُمكن القول أن القانون هو اللَّه واللَّه هو القانون، وأن البديل لغياب هذا القانون هو الفوضى. . .) (٢).

وهذا هو القول نفسه الذي سبقت الإشارة إليه عند الكلام عن وحدة الوجود بالمفهوم الغربيّ الإلحاديّ، حيث جعل علاء حامد ما يسميه -ادعاءً أيضًا- القانون الكليّ، جعله هو اللَّه تعالى، فإذا كان هذا قانونًا فمن الذي قنّنه؟، ولا مجال للشك في أن القانون الذي يتحدث عنه هو شيء مخلوق، فمن الذي خلقه ومن الذي جعله كليًا؟.

إلى غير ذلك من الإيرادات التي تبين زيف هذا القول الذي يهدف في آخر مغزاه إلى إنكار وجود اللَّه تعالى وربوبيته.

ويواصل هذا الملحد تخبطاته فيقول: (قبل أن نخوض في تعريف محدد للَّه، ماهيته وجوهره، نقول: إن الأكوان منظورة أو غير منظورة تحكمها أنماط معينة من القوانين التي تنظم سيرها ومسيرتها وحركتها، من هذه القوانين الثابتة على مر الدهور والأزمان أن لكل شيء سببًا، ولو شبهنا اللَّه بخلية أبدية لا تفنى، وأن مخلوقاته ليست سوى انقسام لهذه الخلية الأبدية ولكن بعد إضافة مواد أخرى كيمائية (مواد بشرية) اكتسبت بها


(١) انظر: مسافة في عقل رجل: ص ١٢٥.
(٢) المصدر السابق: ص ١٢٨، ونحوه في ص ١٥٧، وص ١٦٠، وص ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>