للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليها هذه الطبيعة؟ وما كنه القوانين الطبيعية؟ وكيف نشأت؟ وكيف استطاعت أن تسيطر على الكون والحياة والإنسان وتصل إلى هذه النتائج المبهرة؟.

كل ذلك غيب آمن به داروين وأتباعه، غيب يرون أن له قوة التأثير والفاعلية والاصطفاء والتغيير، بل زعموا أن له قوة الاستمرار والقدرة الدائمة على التطوير والتغيير والصيرورة الدائمة المستمرة!!.

كل ذلك غيب، ولكنه غيب منحرف، غيب لا يدركون حقيقته ولكن يدركون -أو يتوهمون- إدراك آثاره.

هربوا -بزعمهم- من الغيبيات فوقعوا في غيبيات أخرى؛ لأنه لا يُمكن للإنسان الانفكاك مطلقًا عن الإيمان بغيبٍ مَّا (١).

وهذه الماركسية الإلحادية التي لا تعترف برب ولا دين ولا روح، يقرر أصحابها ما قرره غيرهم من تأثير الطبيعة وفاعليتها بل ويزيدون على ذلك قضية صراع الطبقات، والتفسير المادي للتاريخ، وهو تفسير يجعل للقوى المادية والاقتصادية السلطان الأكبر على نشاط الإنسان ومسيرة الإنسانية.

لقد اخترعوا آلهة جديدة يدينون لها ويخضعون لسلطانها ويعتقدون في قدرتها الحاسمة وإرادتها الخارقة، وفعلها الذي لا يرد، من خلال ما يسمونه بالحتميات المادية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.

(وهكذا تظن أوروبا أنها تهرب من "الغيبيات" فتلاحقها الغيبيات في مهربها، ولكن في صورة ضالة تناسب ما هي عليه من ضلال وانحراف) (٢)؛ لأن قضية الإيمان بالغيب قضية فطرية راسخة في نفس الإنسان.

وبهذه الطاقة الفطرية يؤمن المسلم بوجود اللَّه وربوبيته ويعبده ويتبع أمره ويصدق خبره، ويوقن بأن ما جاء عنه من أخبار غائبة عن الحواس هي


(١) انظر هذا المعنى في: دراسات في النفس الإنسانية: ص ١٠٩ - ١١٠.
(٢) المصدر السابق: ص ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>