للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن أقوالهم في العبث بهذا المفهوم قول نزار قباني: (. . . ليس ضروريًا أن يصطدم اللَّه والشاعر؛ لأن سلطة الأول محصورة في مبادئ الخير والشر، وتقييم أعمال البشر، أمَّا التالي "يقصد الشاعر" فيحكم على أرض أخرى، هي أرض الإبداع الفني، والعمل الفني لا يخضع لمقاييس الخير والشر سماوية كانت أم أرضية، الفعل الشعري فعل حر، كما أن اللَّه في تصوري، هو حرية مطلقة قبل كل شيء، وأنا لا أستطيع تصوره على غير هذه الصورة.

. . . قيم الخير والشر نحن اخترعناها، وهي ليست كلامًا نهائيًا مكتوبًا على اللوح الإلهي، لذلك أعيش باستمرار في حالة اصطدام مع الخير والشر بصورتهما البشرية. . .) (١).

لا يُمكن وصف هذا الكلام بغير كلمة "العبث" النابعة من أقبية الخرافات الحداثية والعقد العلمانية، ولا يُمكن اعتبار هذا القول فلسفة أو نظرية عقلانية؛ لأن للفلسفة شروطها وللعقل ضوابطه، ولكنها شهوات بهيمية، يصادر صاحبها من خلالها أي شيء يقف ضد أهوائه الحيوانية، مع ما في هذا الكلام من استخفاف بمقام اللَّه تعالى، وإعلاء لمنزلة الشاعر!! وأي شاعر؟ إنه شاعر الحداثة على الخصوص، شاعر الدعارة والعهر، والإلحاد والكفر والضلالة والظلام، شاعر الشرك النجس والفكر الدنس، والانحطاط والتخلف والمادية المتمثل في القول السالف، وفي قول أنسي الحاج: (. . . الشر الأدبي والفكري هو في الغالب إثراء للروح، يعلي الإنسان ويزيده بالتمرد والانعتاق، إنه خير متألم أو متكبر، قلق، متمرد، "ملعون" ومهما أوغل في العصيان أو الخطيئة لا يصبح اعتداء على الإنسان ولا عملًا ضد الحرية ولا مؤامرة على الحقيقة بل العكس) (٢).

هل هناك أسوأ أو أخبث من هذا العبث؟ تمجيد للشر والرذيلة، وإعلاء لشأن الشرير الدنيء الذي يمارس الشر والدناءة والخبث، واعتراف صارخ بأنه


(١) أسئلة الشعر: ص ١٩٧.
(٢) مجلة الناقد، العدد ١٨ كانون الأول ١٩٨٩ م/ ١٤١٠ هـ: ص ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>