ويمتلك اليقين دون سواه، فيتسم بنبرة تسلطية، قطعية، قمعية، على نحو لا يُمكن أن يتصف معه هذا الخطاب بأنه خطاب حواري. . . بل يصبح خطابًا أحاديّ الاتجاه، تعاليميًا، أمريًا، مخايلًا، يقوم على وهم احتكار الحقيقة نقلًا، وإيهام الهداية اتباعًا، وضرورة التصديق بها تقليدًا) (١).
وغير خاف على من له أدنى بصيرة ومعرفة بالدين الإسلامي وبمنهج أهل السنة والجماعة "الفرقة الناجية" أن هذا القول مليء بالمغالطات والشبهات والألاعيب اللفظية، فكلامه عن القدر وإرادة اللَّه تعالى ليست عند أهل السنة بهذا المفهوم الفج الضال، وقد سبق بيان منهج أهل السنة في ذلك عند الحديث عن القدر.
أمَّا أن أهل السنة يعتقدون اليقين والقطعية في اعتقادهم، فهذا لا ريب فيه، وهو يقين يقوم على الدليل والبرهان وليس على التشهي والهوى.
أمَّا أن خطابهم يتسم بالتسلط والقمعية، فإن كان مراده بذلك أنهم يحكمون بشريعة اللَّه ويوقرون أحكامه ويتبعون أوامره وينتهون عن نواهيه، ويقفون عند حدوده، ويطبقون ذلك كله، فهم يعملون ذلك وفق عقيدتهم وإيمانهم باللَّه تعالى، ولا يرد المسلم عن ذلك أية ألفاظ هجائية أو شتائم علمانية، فمن آمن باللَّه وبكتابه ورسوله وجب عليه أن يقوم بمقتضى ذلك، رضي بذلك من رضي وغضب من غضب.
غير أن من الجدير تأمله في هذا الصدد أن العلمانيين اللادنيين الذين أخذوا هذه الضلالات عن أساتذتهم الغربيين اعتنقوها بيقين وقطعية، مع أنها لا تقوم إلّا على أوهام بشرية، وحماقات عقول بهيمية، وخطابهم وحالهم يتسم -فعلًا- بالتسلط والقمعية، فها هي سجون الأنظمة العلمانية في بعض بلاد المسلمين تضج بالظلم والقهر لأولياء اللَّه تعالى الذين يطالبون بتحكيم شريعته في الأرض، وها هي مؤتمراتهم ومؤامراتهم مع دول الغرب والشرق