للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للغرب، وعقلًا مستعارًا لأفكاره ومناهجه ومبادئه، وليكونوا في الوقت ذاته عدوًا وحزنًا للأمة ودينها ومقومات نهضتها وحياتها.

ولقد وصل نفوذهم إلى الأزهر، وإلى من ينتسب إلى العلم والدين فأصدروا الفتاوى العجيبة في تبرير القوانين الوضعية، وتسويغ الحكم الجاهلي، والدفاع عن الحكومات الكافرة التي تتحكم في رقاب وبلاد المسلمين (١).

نعم لم يكن الأمر في أول نشأته محاربة للدين بصورة مكشوفة، فقد كان المخطط البريطاني يقتضي عدم استفزاز مشاعر المسلمين بالمعارضة الجريئة أو المواقف الفاصلة ضد الدين، كان يمشي على الأسلوب الإنجليزي المعروف (بطيء ولكنه أكيد المفعول) (٢).

ولكن جوهر عملهم كان يرتكز على وضع نقطة صغيرة هي"الحضارة الغربية" بجانب المرتكز الأول والوحيد الذي هو "الإسلام" ثم الدعوة إلى تلك النقطة الصغيرة وتسمينها قليلًا قليلًا، حتى تكبر وتضخم، وتصبح نقطة ارتكاز ثانية في حياة المسلمين إضافة إلى الإسلام، ومع التضاؤل التدريجي المدروس والموجه ضد الإسلام الذي "كان" نقطة ارتكاز وحيدة، يتعاظم شأن النقطة الثانية ويستعلي شأنها، من خلال ما يضخ لها من عوامل القوة والدعاية والإمداد المادي والمعنوي، حتى يأتي وقت تصبح فيه تلك النقطة الضئيلة هي نقطة الارتكاز الرئيسة، وتصبح نقطة الارتكاز الضخمة السابقة نقطة جانبية تكاد تنمحي من الوجود. لقد استغرقت عملية الانتقال التدريجي ما يقرب من قرن من الزمن، ولكنها عملية مستمرة لا تتوقف، بل تتوسع على الدوام (٣).

وما نراه اليوم من تفاقم الانحراف، وانتفاش العلمانية وانتفاخ الإلحاد والفساد، والمجاهرة بذلك والحماية له ليس إلَّا حلقة في سلسلة الانحراف


(١) انظر: فتاوى محمد عبده ورشيد رضا في واقعنا المعاصر: ص ٣٣١ - ٣٤٠.
(٢) انظر: المصدر السابق: ص ٣١٢.
(٣) انظر: المصدر السابق: ص ٢٠٩ - ٢١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>