للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالثواب أو الإيعاد بالعقاب، فإن ذلك من حق الشرع الذي جاء بما يوافق العقول والفطر لا بما يخالفها.

فمن تفلسف وادعى قبح الأخلاق المحمودة، أو حسن الأخلاق المذمومة؛ فإنه محجوج بالعقل والفطرة والشرع.

ومثله في ذلك مثل من يستقبح الماء الزلال ويستحسن البول النجس، أو يستقبح الفاكهة الطيبة الناضجة، ويستحسن العذرة، فإن الفطرة والعقل والشرع على عكس استحسانه واستقباحه.

فالعقل يدرك الحسن والقبح فيما هو ملائم للطبع أو مضاد له، فإذا لاءم الغرض الطبع فحسن، كاللذة والحلاوة، وإذا نافره فهو قبيح كالألم والمرارة، وهذا القدر معلوم بالحس والعقل والشرع، مجمع عليه بين الأولين والآخرين بل هو معلوم عند البهائم (١).

أمَّا الحسن والقبح المتعلق بالشرع بمعنى كون الفعل سببًا للذم والعقاب أو المدح والثواب، وهل يعلم ذلك بالعقل أم لا يعلم إلَّا بالشرع أم يعلم بهما معًا؟.

فهذا محل افتراق وتنازع، والقول الحق في ذلك هو قول أهل السنة والجماعة، وحاصله أن الحسن والقبح يدركان بالعقل، ولكن ذلك لا يستلزم حكمًا في فعل العبد، بل يكون الفعل صالحًا لاستحقاق الأمر والنهي والثواب والعقاب من الحكيم الذي لا يأمر بنقيض ما أدرك العقل حسنه أو ينهي عن نقيض ما أدرك العقل قبحه؛ لأن ما أدرك العقل حسنه أو قبحه راجح ونقيضه مرجوح، بمعنى أن صفة الحسن في الفعل ترجح جانب الأمر به على جانب الأمر بنقيضه القبيح، وصفة القبح في الفعل ترجح جانب النهي عنه على جانب النهي عن نقيضه الحسن، عملًا في ذلك بمقتضى الحكمة التي هي صفة من صفات اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فلا حكم إلَّا من الخطاب الشرعي ولا أمر ولا نهي إلَّا من قبل الشارع الحكيم، وخطابه


(١) انظر: مجموع الفتاوى ٨/ ٩٠، ٣٠٨، ٣٠٩، ومفتاح دار السعادة ٢/ ٤٤، ومدارج السالكين ١/ ٣٣٠، وإرشاد الفحول: ص ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>