للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفكرية وتطبيقية، ومن هذه الأجواء انبثقت الحداثة وتصاعدت نيرانها مرتكسة في تلك الوثنيات القديمة بأقوى ما يكون الارتكاس، متخذة من أساطير اليونان وأباطيل بابل وغيرها خلفية فكرية اعتقادية، تقوم على تعدد الأرباب، وتفتخر بأنواع الألوهيات وتعتمد على أصناف الشركيات، وتعد ذلك أساسًا للتحرر والانطلاق نحو آفاق إبداعيه مستقبلية {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} (١).

ثم جاءت الحداثة العربية بتقليدها ومحاكاتها للحداثة الغربية، تردد الأفكار والعقائد ذاتها، ولقد (. . . كانت متشربة إلى أبعد حد بالنموذج الثقافيّ الشعريّ الغربيّ، حيث طرحت إشكالية الحداثة كتأصيل في الهوية الحضارية. . .) (٢).

وحين كتب أدونيس قصيدته "أرواد يا أميرة الوهم" قال بأنه اعتمد فيها (على الأسلوب الشعريّ القديم في فينيقيا وما بين النهرين، وهو الأسلوب الذي ورثته التوراة في أروع أشكاله، وتأثر به كثير من شعراء أوروبا وطوروه. . . وآمل في استخدام هذا الأسلوب من التغيير الشعريّ، أن أضع مع زملائي الشعراء حجرة صغيرة في الجسر الذي يصلنا بجذورنا وبحاضر العالم) (٣).

وإذا كانت مجلة شعر وعصابتها تعتبر عند الحداثيين الموافقين والمخالفين لها نموذجًا تقدميًا، والشعراء التموزيون على وجه الخصوص أكثر تقدمية من غيرهم، فإن شعر والتموزية كان لها أبلغ الأثر في الشعر الحديث المستعرب على دروب الانغماس الوثنيّ (لقد مضت حركة مجلة شعر بعيدًا في النفاذ إلى رموز التاريخ الثقافيّ الحضاريّ ما قبل الإسلاميّ (الوثنيّ) ممثلة في الأساطير الأكثر التصاقًا بطبيعة الرؤيا في الشعر) (٤).


(١) الآية ٢٤ من سورة النمل.
(٢) الحداثة الأولى، لمحمد جمال باروت: ص ١١٠.
(٣) مجلة شعر، عدد ١٠، ربيع ١٩٥٩ م/ ١٣٧٨ هـ السنة الثالثة: ص ٧ - ٨.
(٤) الحداثة الأولى: ص ١١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>