للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على مقاصد هؤلاء في تحطيم الدين ومحو آثاره من النفوس وتدنيس أجلِّ وأعظم شيء في عقيدة المسلمين.

وقد اتخذوا ذلك منهجًا وأساسًا من أسسهم، ومحورًا من أهم المحاور التي انبثقت منها حداثتهم وإبداعهم، وهذا ما يطلقون عليه أحيانًا تدنيس المقدس، وأحيانًا أخرى يسمونه نقل المقدس إلى الحقل الإنسانيّ، في شبكة من الإلحاد والكفر والشرك والباطنية والنصرانية والإباحية الخلقية والعلمانية الحكمية إلى آخر سوءات هذا الاتجاه.

ونقل المقدس إلى الحقل الإنساني عنوان عريض كبير أدخلوا تحته كل ألوان انحرافاتهم وكفرهم الصريحة والمبطنة (وهكذا تطلع الشعر والنص الإبداعيّ عامة إلى النهوض بالدور الفلسفيّ والفكريّ والاجتماعيّ وبالدينيّ أو الأسراريّ. . . وإذا كانت الحداثة حركة تصدعات وانزياحات معرفية قيمية؛ فإن واحدًا من أهم الانزياحات وأبلغها هو نقل حقل المقدس والأسراريّ من مجال العلاقات والقيم الدينية والماضوية إلى مجال الإنسان والتجربة والمعيش، وإذا كان جبران يشكل إنجازًا مهمًا على هذا المستوى من حيث إقامة المصالحة بين الغيبيّ والإنسانيّ عبر تداخل الدلالات، واستعارة اللغة المقدسة للزمنيّ، فإن ديوان أغاني مهيار الدمشقيّ قد شكل أول انقلاب بين العالمين ونقل المقدس إلى الحقل الإنسانيّ، ولابد من القول في هذا المجال أن ديوان "لن" لأنسي الحاج قد أسعهم في تجريح المقدس ورفع لواء العصيان البشريّ وإقامة لغة التجديف، غير أن مهيار يصوغ التجديف بلغة تبني الدينية الضدية، وترسم إله الدمار والتفكك، وتؤسس لانقلاب القيم ومواقع المقدس، هذا الانزياح علامة تاريخية كبرى. . .) (١).

وفي هذا النص وفي الشواهد التي قبله من التوضيح والصراحة ما يكفي في الإجابة على الأسئلة المتعلقة بانهماك الحداثيين في هذه اللغة الإلحادية،


(١) قضايا وشهادات ٣ شتاء ١٩٩١ م من مقال لخالدة سعيد: ص ٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>