ولم يركز المؤلف على المضامين الاعتقادية بل كان تركيزه على القضايا النقدية والفنية وأسسها الفلسفية، وقد أجاد في الربط بينهما، وفي إعادة كل مذهب نقديّ تعرض له إلى قاعدته الفكرية.
١٩ - القصيدة الحديثة وأعباء التجاوز: لأبي عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري، ويقع في ٢٨٦ صفحة من القطع الكبير.
وفيه دراسة احتفالية بالشعر الحديث، وثناء على إنجازاته الفنية واللغوية، ومدح لأصحابه الذين استطاعوا أن يتجاوزوا الظواهر الفنية القديمة، ويأتوا بملامح فنية جديدة لم يستطع الأصلاء المهدفون إهداف النواعير أن يفهموها "حسب تعبيره" ثم امتدح الآفاق العالمية، والغناء الفكريّ والهم الجماعيّ، وعزائم الحداثة الممتعة للعقل والقلب والروح، والقيم الجمالية الممثلة للعطاء الحضاريّ إلى آخر ما هنالك من عبارات إطراء، يقابلها عبارات تعريض وقدح لغير الحداثيين الذين يرى أنهم تشغلهم الصورة الجزئية، ولم يحسوا بالجمال الفني المتجدد؛ لأنهم يقيسون بالمقاييس الجامدة في كتب البلاغة والنقد القديم، ويستمتعون باسترجاع النماذج الماضية، ووأد القيم الجمالية الحديثة، وقتلنا بما أتخمنا به من الاسترجاع للماضي، وغلواء التقرير والمباشرة، وانعدام الآفاق الحضارية والفلسفية والتراث العالمي التي تضمنها الشعر الحديث إلى آخر ما قال.
وتعرض في كتابه أيضًا وبأسلوب قويّ رصين وعبارات حادة أحيانًا للمخاطر الفكرية والاعتقادية للحداثة، بما يوحي بالتناقض بين مدحه وقدحه، غير أن محوره الأساسي هو أن الشرط الجمالي والقيم الجمالية في الإبداع لها استقلال عن كل المعايير، ولها موازينها الخاصة الذاتية التي يُمكن التحاكم إليها وحدها، حيث يقول في ص ٣٥:(إن ما نحتاجه اليوم -في دراسة الأدب الحديث- يجب أن يكون خالصًا لشفافية الفنان، ورؤية الأديب، وتذوق الأكاديميّ، فيما يخدم النص تفسيرًا وامتلاكًا، ولا نأخذ من الثقافة إلّا ما يخدم معايشتنا للنص).
وهذه من أعظم فواقر نظرته لموضوع الحداثة، وبناء على ذلك فقد امتدح مجموعة من شعراء الحداثة، وأثنى على شرف مضامين بعضهم!!، ونفى عن بعضهم الانحراف وامتدح الفحولة الشعرية لبعضهم، وأثنى على القصيدة