للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بإفراد اللَّه تعالى بالعبودية والطاعة المطلقة له، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)} (١).

إن هذا المعنى يتجلى أول ما يتجلى في الفرق الحاسم بين ربوبية اللَّه تعالى المقتضية للخلق وألوهيته المقتضية للأمر، كما يشاء وفق علمه وحكمته ومشيئته، وبين عبودية المخلوق المقتضية للسمع والانقياد وفق التركيب الربانيّ الموجود في هذا الكائن الحيّ الناطق، الملخص وصفه في أنه "حارث وهمام" (٢) أي له قدرة وإرادة.

ومن هنا تتقرر قاعدة الحق والخير والعدل في الوجود كله، وفي علاقة الإنسان والكون بالإله الخالق العظيم؛ وذلك بالتفريق بين حقيقة الألوهية ولوازمها، وحقيقة العبودية بحدودها وضوابطها ونتائجها وما يترتب على هذا كله من صفات وعلامات ونتائج.

إن البداية الأولى للإنسان الأول (آدم وزوجه) بدأت من هذا المنطلق، وكلما فتر هذا المعنى في حس البشر أو تزعزع أرسل اللَّه الرسل لإيضاح مهمة الإنسان في هذا الوجود، وتبيان وظيفته في هذه الحياة، وتجلية دوره وعلاقته بربه وخالقه سبحانه وتعالى.

لقد كان جهاد الأنبياء عظيمًا في مواجهة الانحرافات التي طرأت على البشر، وأهمها تلك الانحرافات المتعلقة بالعقيدة؛ إذ بسببها تقع الانحرافات الأخرى في السلوك والنُّظُم والأعمال والعلاقات، وأخطر تلك الانحرافات الاعتقادية تعددُ الآلهة وكثرة المتبوعين والمطاعين مع اللَّه أو من دون اللَّه، آلهة الأهواء والأعراف والشهوات وآلهة الأصنام والأوثان، كلها تعبد وتطاع، والأرباب في الجاهلية أرباب عديدون وليست هي الأصنام وحدها وإن كانت هي أظهر أنواع الشرك الحسي، فقد كانت القبيلة ربًا معبودًا يطاع، كما قال الشاعر الجاهلي:


(١) الآية ٢٥ من سورة الأنبياء.
(٢) قال نبينا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أصدق الأسماء حارث وهمام" أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب: في تغيير الأسماء ٥/ ٢٣٧، وأحمد ٤/ ٣٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>