للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (١٤٠)} (١).

وليس هذا حال الجاهلية العربية الذين بعث فيهم خاتم الأنبياء -صلى اللَّه عليه وسلم- بل كان كذلك حال الجاهليات السابقة؛ ولذلك كانت قضية التوحيد هي قضية كل الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-؛ لأن جميع القضايا الأخرى والأعمال والتصرفات تنبني عليها وتقوم على قاعدتها.

وكانت الجاهلية في أعصارها المختلفة تقف ضد هذا المعنى وتتصدى للداعين إليه؛ وهو أمر تفرضه طبيعة الاتجاه بين كلتا الفتئتين: الطواغيت وأتباعهم، والأنبياء وأتباعهم.

فالطواغيت الجاهلية الكثيرة تفرض سلطانها على الناس وتريد أن تسيرهم وفق ضلالاتها وأهوائها وأعرافها وتسعى لتخرج الناس من النور إلى ظلمات الآلهة المتشاكسة المتخاصمة.

والأنبياء جاؤوا لرد البشرية إلى بارئها وتخليصها من ربقة الطواغيت والآلهة والأرباب، وتوجهيهم إلى عبادة اللَّه وحده لا شريك له.

ووقفت الجاهليات أمام دعوة الأنبياء موقفًا واحدًا برغم تباعد الأعصار واختلاف الشعوب والأمصار وقفت موقف الصد والرد والإعراض والاستكبار والتشنيع والسخرية والاستهزاء، ومنذ أن أرسل اللَّه نوحًا -عليه الصلاة والسلام- إلى قومه وقف الملأ المستكبرون -كعادتهم في كل جاهلية- موقف المضادة والمعاندة.

قال اللَّه تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (٢٧)} (٢).

وكذلك فعل قوم عاد كما أخبر تعالى عن حالهم مع نبيهم هود -عليه


(١) الآيات ١٣٦ - ١٤٠ من سورة الأنعام.
(٢) الآيات ٢٥ - ٢٧ من سورة هود.

<<  <  ج: ص:  >  >>